والولي لا يأخذ ذلك لنفسه بل يعود نفعه إلى الفقراء والمحتاجين أو يستثمر في سبيل الله وفي نشر الدين والباذل إنما يبذل ذلك رغبة في الحصول على رضا الشافع الذي رضاه رضا الله.
ه - أما إذا أدار ذلك المذنب ظهره للنبي والوصي ولم يلمس الشافع منه أنه يتحرق لتحصيل العفو والرضا عنه، ويقرع كل باب ويتوسل بكل ما من شأنه أن يحل هذا الإشكال، ويبادر إلى العمل بكل ما يعلم أنه يرضي سيده عنه، فإنه لا يشفع له ولا كرامة..
و - ومن الواضح: أن من يكون جرمه هائلا وعظيما فإن إمكانية وفرص الإقدام على الشفاعة له تتضاءل وتضعف.. فلا يضع النبي والوصي نفسه في مواضع كهذه ولا يرضى الله سبحانه له ذلك. كما أن من يدير ظهره لأولياء الله ولا يهتم لرضاهم ولا يزعجه سخطهم فإنه لا يستحق شفاعتهم قطعا، لأن الاهتمام بهم وبرضاهم جزء من عبادته تعالى ومن المقربات إليه وموجبات رضاه.. فالتوسل إليهم والفوز بمحبتهم وبرضاهم سبيل نجاة وطريق هدى وسلامة وسعادة.
ز - إن من الواضح أن المجرم لا يمكن أن يتشفع في مجرم مثله، وأن المقصر لا يتشفع بنظيره، لأن الشفاعة مقام عظيم وكرامة إلهية فلا يقبل الله سبحانه شفاعة كل أحد، بل الذين يشفعون هم أناس مخصصون بكرامة الله سبحانه لأنهم يستحقونها..
ح - قد ظهر مما تقدم: أن إرادة الله لم تكن قد تعلقت بالمغفرة للمذنب قبل الشفاعة لتكون شفاعة النبي أو الوصي بعدها - بالشكل - ومن دون أن يكون لها تسبيب حقيقي.. بل هناك تسبيب حقيقي للشفاعة، فإنها هي سبب المغفرة وهي سبب إرادة الله بأن يغفر لذلك المذنب ولو لم يقم الشافع بها لم يغفر الله لذلك المذنب.
ولولا ذلك فإنه لا يبقى معنى للشفاعة.. ولا يكون العفو إكراما للشافع واستجابة له. انتهى.