يا أخا بكر! أنت امرؤ ضعيف الرأي، أما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير! وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة وتزوجوا على رشدة، وولدوا على الفطرة، وإنما لكم ما حوى عسكرهم، وما كان في دورهم فهو ميراث لذريتهم، فإن عدا علينا أحد منهم أخذناه بذنبه، وإن كف عنا لم تحمل عليه ذنب غيره.
يا أخا بكر! لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل مكة، قسم ما حوى العسكر ولم يعرض لما سوى ذلك، وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل.
يا أخا بكر! أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها، وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق، فمهلا مهلا رحمكم الله! فإن أنتم لم تصدقوني، وأكثرتم علي - - وذلك أنه تكلم في هذا غير واحد - فأيكم يأخذ أمه عائشة بسهمه؟!
قالوا أينا يا أمير المؤمنين؟! بل أصبت وأخطأنا، وعلمت وجهلنا، ونحن نستغفر الله! وتنادى الناس من كل جانب: أصبت يا أمير المؤمنين! أصاب الله بك الرشاد والسداد!
فقام عمار فقال: يا أيها الناس! إنكم والله إن اتبعتموه وأطعتموه لم يضل بكم عن منهاج نبيكم قيد شعرة، وكيف يكون ذلك وقد استودعه رسول الله المنايا والوصايا وفصل الخطاب، على منهاج هارون بن عمران، إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فضلا خصه الله به إكراما منه لنبيه، حيث أعطاه الله ما لم يعطه أحدا من خلقه.
ثم قال علي عليه السلام: أنظروا رحمكم الله ما تؤمرون به فامضوا له، فإن العالم أعلم بما يأتي من الجاهل الخسيس الأخس، فإني حاملكم إن شاء الله تعالى إن أطعتموني على سبيل الجنة، وإن كان ذا مشقة شديدة ومرارة عتيدة، وإن الدنيا حلوة الحلاوة لمن اغتر بها، ومن بعدها الشقوة والندامة عما قليل، ثم إني مخبركم أن خيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيهم أن لا يشربوا من النهر، فلجوا في ترك أمره فشربوا منه إلا قليلا منهم، فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم، ولم يعصوا ربهم.
وأما عائشة فأدركها رأي النساء، وشئ كان في نفسها علي يغلي في جوفها كالمرجل، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل! ولها بعد ذلك حرمتها الأولى، والحساب على الله، يعفو عمن يشاء ويعذب عمن يشاء.