فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم ويصيبوا بها الأموال والضياع والمنازل!
حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يتسلحون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها.
فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه، أو طريد في الأرض!
ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين وولي عبد الملك بن مروان، فاشتد على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف.
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تأريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية، تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم). انتهى.
(راجع النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 97 - 99 والبحار 44: 123 والنص والاجتهاد: 368).
وفي العقد الفريد لابن عبد ربه: 4 / 349: (لما قدم أبو الأسود الدؤلي على معاوية عام الجماعة قال له معاوية: بلغني يا أبا الأسود أن علي بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكمين، فما كنت تحكم به؟
قال: لو جعلني أحدهما لجمعت ألفا من المهاجرين وأبناء المهاجرين، وألفا من الأنصار وأبناء الأنصار، ثم ناشدتهم الله: المهاجرون وأبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أم الطلقاء؟! قال له معاوية: لله أبوك أي حكم كنت تكون لو حكمت)!!