وحرية الانسان هي أساس مسؤوليته، مسؤوليته أمام الله تعالى، يحاسبه على ما يفعله لا على قضاء الله فيه، فالله تعالى يسأل الانسان: لماذا كفرت؟ لماذا أذنبت؟
ولكنه لا يسأله لماذا مرضت؟
وهكذا عاش الإمام في المدينة يعلم الناس ويجتهد في استنباط أصول الفقه.
وعلى الرغم من أن كل هذه الآراء لم تكن تروق الخليفة المنصور، فقد كان الخليفة حريصا على أن يقرب منه الإمام جعفر، ولقد أرسل إليه الخليفة يوما يسأله:
لم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فكتب إليه الإمام جعفر: ليس منا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنئك، ولا نراها نقمة فنعزيك. فكتب إليه المنصور: تصحبنا لتنصحنا. فأجابه الإمام الصادق: من أراد الدنيا لا ينصحك ومن أراد الآخرة لا يصحبك.
ولم يرق هذا للمنصور، فاستدعاه واتهمه بأنه يجمع الزكاة وجمع الزكاة حق للخليفة وحده فهو إذن يدعو لنفسه، وشهد ضد الإمام شاهد زور، فكذب الإمام أقوال الشاهد، فطلب المنصور من الإمام أن يحلف بالطلاق، ولكنه رفض فقد كان يفتي بأن الحلف بالطلاق لا يجوز وقال: إنه لن يحلف بغير الله. فقال له الخليفة محتدا: لا تتفقه علي، وقال الإمام هادئا مبتسما: وأين يذهب الفقه مني؟ ثم إن الإمام طلب من الشاهد أن يحلف على دعواه فحلف شاهد الزور، وكان الخليفة قد اقتنع بأن الإمام صادق في قوله، فقد عرفه الجميع بالصدق وروع شاهد الزور وكبر عليه أن يفتري على هذا الإمام الطاهر، وكبر عليه أن يحلف كذبا، وها هو ذا آخر الأمر يجد الخليفة غاضبا عليه، فما كسب شيئا بعد، وسقط الرجل ميتا، وحمل عن مجلس الخليفة، أما الإمام فقد دعا للرجل بالرحمة، وحطت ذبابة على وجه الخليفة لم يفلح في إبعادها إذ كانت تعود فتحط على وجهه. فسأله: لماذا خلق الله الذباب؟ فقال الإمام: ليذل به الجبابرة.
فقال له الخليفة متلطفا وجلا: سر من غدك إلى حرم جدك إن اخترت ذلك، وإن