الاكتفاء بالحلال لا التجرد من الحلال.
ورأى المنصور في الدعوة ضد الزهد والفقر تحريضا لعامة المسلمين على أن يستمتعوا بحقوقهم في المال، ودعوة إلى إثارة التمرد.
ولكن المنصور سكت وظن يراقب الإمام جعفر بن محمد، ما عساه يصنع بعد؟
لعله يسكت.
ولكن الإمام جعفر ظل يناضل بالكلمة دفاعا عن كل آرائه وعن حرية العقل و الإرادة وشرف المثقفين، ورأى التفاف بعض الطيبين الفقهاء حول الحكام من غير ضرورة، خوفا أو طمعا فقال للناس: إذا رأيتم الفقهاء قد ركبوا للسلاطين فاتهموهم، وتخوف كثير من الفقهاء بعد هذا من مخالطة السلاطين والحكام من غير ضرورة.
ثم إنه أخذ ينشر من فتاوى الإمام علي وأقضيته ما حرص الحكام والمستغلون على إخفائه، فأفتى بأنه لا يحق للمسلم أن يدخر أكثر من قوت عام إذا كان في الأمة صاحب حاجة، حاجة إلى طعام أو مسكن أو كساء أو علاج أو دواء أو ما يركبه.
وأفتى بأن السارق إذا اضطر إلى السرقة لا يعمل، فولي الأمر المسؤول وهو الآثم، فإذا سرق السارق لأنه لا يحصل على الأجر الذي يكفيه هو وعياله فالذي يستغله أولى بقطع اليد.
وكان استبداد المنصور قد استشرى، وكما فعل الحكام الأمويون من قبل، بطش المنصور بكل من يخالف رأيه ووجه بطشه إلى آل البيت، فقد ناهضه بعض أقربائه من آل البيت، فقتلهم شر قتلة، واتهم جعفر بن محمد بأنه يحرض عليه، وبأنه يطمع في الخلافة على الرغم من أنه يعلم أن الإمام لا طمع له في الملك.
وخشي المنصور أن يصنع مع الإمام جعفر كما صنع الخليفة الأموي مع عمه الإمام زيد بن علي.
وآثر المنصور أن يناقش جعفر فاستدعاه إلى العراق واتهمه بأنه يريد الخلافة.
فقال له الصادق: والله ما فعلت شيئا من ذلك ولقد كنت في ولاية بني أمية وأنت تعلم