البيت، فاصطنع الإمام محمد الباقر والد الإمام جعفر ذلك الفتى اليتيم، وفقهه في الدين حتى إذا ورث جعفر الأمانة بيد جابر بن حيان وتعهده وحثه على دراسة علوم الحياة وزوده بمعمل وأمره أن ييسر كتاباته لينتفع بها الناس.. وخصص له وقتا في كل يوم يتدارسان فيه علوم الطبيعة والكيمياء والطب، وكشف له من تبصره بالفقه كثيرا من المعارف العلمية وهداه بالمعارف العلمية إلى التمكن من الفقه.
وعلم وهو في المدينة أن في العراق مذاهب تدعو إلى الإلحاد والزندقة، فخرج يناقش زعماء هذا المذهب، لم يقعد مكتفيا بالحكم عليهم بالكفر، أو يصب اللعنات عليهم، بل ناقشهم بمنطقهم، ليثبت لهم وجود الله، وقادهم مما يعلمون إلى ما لا يعلمون.
واشتهر في ذلك الزمان طبيب هندي برع في علوم الطب والصيدلة، فحرص الإمام جعفر على أن يلتقي به ويتعرف إلى علمه، وتبادلا المعارف معا ثم أخذ يحاوره في الاسلام وفي إثبات وجود الله.
بهذه الحكمة والموعظة الحسنة عاش الإمام جعفر يدعو إلى سبيل ربه فأقنع كثيرا من الزنادقة والملحدين والمنكرين والوثنيين بالاسلام فأسلموا وحسن إسلامهم وأضافوا بفكرهم ثراء إلى الفقه وإلى العلوم في ذلك الزمان.
آمن بالتجربة والنظر العقلي والجدل طريقا إلى الإيمان وسلحته معرفته الواسعة العميقة بالعلوم في الاستدلال والاقناع، وجذب أصحاب العقول المبتكرة إلى الدين، وهو مع انشغاله بكل ذلك، كان يتحرى أحوال الناس، ويحمل على كتفه جرابا فيه طعام ومال فيوزع على أصحاب الحاجة، دون أن يدع أحدا يعرف على من يتصدق.
ولكم أساء إليه بعض صنائع الحكام الذين خشوا التفاف الناس حوله فما قابل الإساءة إلا بالاحسان، وهو يردد قول الله تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
وفي الحق أنه استطاع أن يحول كل الذين دسوا عليه ليسيئوا إليه إلى أولياء