الدين والفتنة أشد من القتل، ولقد أمر الرسول عليه السلام باحترام حرية العقيدة واحترام أهل الكتاب، فمن لم يتعامل معهم كما أمر الرسول (ص) فليس من الاسلام في شئ، ولو زعم في تنطعه وتعصبه أنه رجل شرع أو أنه أفقه الناس.
ولقد أعادت هيبة الإمام الصادق، كثيرا من الذين انحرفوا إلى حظيرة الدين..
فتعايش المسلمون والمسيحيون إخوانا متحابين كما أمر الله ورسوله.
وهذا التسامح الذي ينبع من فهم عميق للاسلام وكان صفة أصيلة في الإمام فقد كان يدعو الله أن يغفر لمن أساء إليه، وما عرف عنه أنه انتقم من أحد، فقد كان يرى في الانتقام مع القدرة ذلا وأن الصبر عفو يثاب عليه المرء، من أجل ما غضب من إساءة أو من اغتياب.
وقد امتدت سماحته إلى الذين يخدمونه، تلك السماحة التي تخالجها الرقة والعذوبة. كان له غلام كسول يحب النوم، فأرسله يوما في حاجة فغاب وخشي الإمام أن يكون الغلام قد أصابه مكروه، فخرج يبحث عنه، فوجده نائما في بعض الطريق، فجلس الإمام عند رأسه، وأخذ يوقظه برفق حتى استيقظ فقال له ضاحكا: تنام الليل والنهار؟ لك الليل ولنا النهار.
لكل هذا الصدق والصفاء في التعامل مع الحياة والناس والأشياء، لكل هذه السماحة والعذوبة والرقة والتسامح، ولإشراقه الروحي الرائع، وذكائه المتوقد الخارق وبجسارته في الدفاع عن الحق، وقوته على الباطل، وبكل ما تمتع به من طهارة وسمو وخلق عظيم، التف الناس على اختلاف آرائهم حول الإمام الصادق جعفر بن محمد. وكما كان حكام بني أمية يراقبون التفاف الناس حوله بفزع، أخذ الخليفة العباسي المنصور يراقب الإمام جعفر متوجسا من جيشان العواطف نحوه وإعجاب الناس به.
كان المنصور يعرف بتجربته الخاصة أن الإمام جعفر بن محمد عازف عن الاشتغال بالسياسة، وكان يعرف أن الإمام رفض إهابة الشيعة به أن ينهض، ورفض