إلحاحهم بالبيعة، ولكن المنصور مع ذلك ما كان ليستريح لالتفاف الناس حول الصادق في كل مكان. في المدينة حيث يقيم وفي العراق حيث يلم ليعلم الناس أو ليحاور الزنادقة والملحدين وأصحاب الآراء الذين يخالفونه في أمور الدين.
نقل الناس إلى الخليفة أن أحد فصحاء الزنادقة وفجارهم قد التقى بالإمام جعفر، فعجز الرجل عن الحوار، فسأله الإمام الصادق: ما يمنعك من الكلام؟ فقال الرجل:
إجلالا لك ومهابة، وما ينطق لساني بين يديك، فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما داخلتني هيبتك.
أخذ المنصور يتربص بالإمام جعفر وعرف أن الإمام يحارب الزهاد، وكانت جماعات الزهاد تحبب إلى الناس الفقر، وتدعوهم إلى العزوف عن الدنيا، وإلى عدم التفكير في شؤونهم، وقد شجع حكام بني أمية هذه الجماعات ليصرفوا الناس عن التفكير في المظالم ويصرفوهم عن المقارنة بين غنى الحكام وفقر المحكومين، وشجع بنو العباس هذا الاتجاه إلى الزهد حتى لقد قويت الدعوة إلى الانصراف عن هموم الحياة.
ورأى الإمام جعفر أن هذه الدعوة تزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا وأنها ليست من الله في شئ، فهي تزين للفرد ألا يهتم بمصلحة الأمة، وألا يحاسب الحكام، وتتيح للحكام أن يعطلوا الشورى وهي أساس الحكم في الاسلام.
ولقد انخدع بعض الصالحين بهذا الاتجاه إلى تمجيد الفقر، فنادوا بتحريم الطيبات من الرزق وزينة الحياة التي أحلها الله لعباده، حتى أن أحد الصالحين من الفقهاء رأى الإمام الصادق في ثوب حسن فأنكر هذا قائلا: هذا ليس من لباسك. فقال له الإمام الصادق: اسمع مني ما أقول لك فإنه خير لك آجلا أو عاجلا إن أنت مت على السنة والحق ولم تمت على البدعة، أخبرك أن رسول الله (ص) كان في زمان مقفر مجدب فأما إذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها أبرارها لا فجارها، ومؤمنوها لا منافقوها.
ومضى الإمام الصادق يناقش الزاهدين فالزهد كما يفهمه الإمام الصادق هو