ففزعه من أبي مسلم وجنده لم يكن إلا رجع الصدى لصوت يتصايح في آفاق حياته، وأعماق ذاته: أنهم سرقوا الدولة من أبناء علي. ومن هنا خوفه المستمر من انتقاض أهل خراسان الذين جاءوا لمبايعة الرضا من آل محمد. وأهل البيت أولى منه في أنظار الذي جاءوا به وبأخيه إلى السلطة.
وخوفه من أعضاء بيته أشد، فلقد كان عمه عبد الله بن علي قائد جيش الشام، لكنه خرج عليه، وأخمد فتنته أبو مسلم الخراساني، حتى إذا استسلم على عهد حبسه أبو جعفر ليقتله بعد زمن من قتله أبا مسلم ذاته. وكذلك غدر بعيسى بن موسى الذي انتصر على محمد وإبراهيم فسلبه حقه في ولاية العهد، وولى ابنه المهدي عهده.
فكان غدره كهيئة ما غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد الأشدق في ولاية العهد، قائلا: ما اجتمع فحلان في شول إلا أخرج أحدهما صاحبه.
وما كان نقض معاوية عهده مع الحسن بن علي، إلا درس المعلم الأول للرجلين أن يستعملا الزمن، وأن ينتهزا الفرص، وأن يحركا الحوادث بدهاء، وأن يقطفا الثمر ثمرة ثمرة.
وأبو جعفر لا يتردد في إعلان التشابه بينهم وفي تعطشه للدم، فيعلن في الناس أن الملوك ثلاثة: معاوية وكفاه زيادة، و عبد الملك وكفاه حجاجه، وأنا ولا كفاة لي.
كأنما لم يكن فيما سفكه كفاية، فكان يريد أن يسفك له دما أكثر سفاحون أصغر.
إلى أن قال في ص 102:
فلقد يدس من أجهزته دسيسا بعد دسيس على بني الحسن والحسين، مثل أن يدعوا ابن مهاجر ذات يوم فيقول له: خذ هذا المال وأيت المدينة والق عبد الله بن الحسن وجعفر بن محمد الصادق وأهل بيتهم وقل لهم: إني رجل من خراسان من شيعتكم وقد وجهوا إليكم هذا المال. فادفع إلى كل واحد منهم على هذا الشرط كذا وكذا. فإذا قبض المال فقل: إني رسول وأحب أن تكون معي خطوطكم بقبض ما