ثم نشر من الأحاديث ما حاول الحكام المستبدون إخفاءه لأنه يزلزل أركان الاستبداد، فقد كان حكام ذلك الزمان يجهدون في إخفاء ما رواه علي بن أبي طالب من السنة.
وانتهى نظر الإمام جعفر إلى أنه لا يوجد حديث شريف يخالف أو يمكن أن يخالف نصوص القرآن الكريم، وأن كل ما ورد من أحاديث مخالفا لكتاب الله فهو موضوع ينبغي ألا يعتد به.
وكان عصره متوترا مشوبا بالأسى، تخضب الرايات المنتصرة فيه دماء الشهداء من آل البيت، ويطغى الأنين الفاجع على عربدة الحكام.
كان عصر الفتوحات الرائعة، والفزع العظيم والدموع.
فالدولة الأموية تضع العيون والأرصاد على آل البيت منذ استشهاد الإمام الحسين ابن علي في كربلاء.
وهي تضطهدهم وتضطهد أنصارهم، وتخشى أن ينهض واحد منهم لينتزع الخلافة.
استشهد عمه زيد في مقتلة بشعة تشبه ما حدث لجده الحسين أبي الشهداء، وبكاه الإمام جعفر أحر البكاء.
وكان الإمام جعفر من بين آل البيت هو الإمام الذي تتطلع إليه الأنظار: أنظار الذين يكابدون استبداد الحكام، وأنظار الحكام على السواء.
عرف منذ مطلع صباه أن الإمام عليا بن أبي طالب رئيس البيت العلوي يلعن على المنابر في مساجد الدولة في صلاة الجمعة. وعلى الرغم من أن أم المؤمنين أم سلمة كانت قد أرسلت إلى معاوية تنهاه عن تلك البدعة البشعة وتقول له: إنكم تلعنون الله ورسوله إذ تلعنون عليا بن أبي طالب ومن يحبه، وأشهد أن الله ورسوله يحبانه. على الرغم من تلك النصيحة فقد ظل الإمام علي يلعن على المنابر، وتلعن معه زوجه فاطمة الزهراء بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام.