وأبو جعفر حريص غدر، يسلط على الصادق من وقت لآخر، وفي مكان بعد آخر، وجوها من التهديد لشخصه والاتهام لولائه والازراء بعلمه.
يقول له ذات يوم في لقاء له بالكوفة: أنت يا جعفر ما تدع حسدك وبغيك وفسادك على أهل البيت من بني العباس، وما يزيدك الله بذلك إلا شدة حسد ونكد، وما تبلغ به ما تقدره. فيجيبه الصادق: والله ما فعلت شيئا من ذلك، ولقد كنت في ولاية بني أمية وأنت تعلم أنهم أعدى الخلق لنا ولكم، وأنه لا حق لهم في هذا الأمر، فوالله ما بغيت عليهم ولا بلغهم عني شئ مع جفائهم الذي كان لي. وكيف أصنع هذا الآن، وأنت ابن عمي، وأمس الخلق بي رحما، وأكثر عطاء وبرا فكيف أفعل هذا.
والصادق بهذا يسجل للخليفة بره ويقدر له أولية ذوي الأرحام عنده في البر بهم، ويقرر له حقه في الخلافة، وليس للمنصور فوق ذلك طلبات. وبهذا يستل الضغن من صدره، ليدعه في ميدانه الذي يسره الله له.
ومع ذلك يعاد المشهد في بغداد، بعد سنة 145، فيستحضره المنصور لمواجهة جديدة.
يقول له: يا جعفر ما هذه الأموال التي يجبيها لك المعلى بن خنيس؟
قال الصادق: معاذ الله ما كان من ذلك شئ.
قال المنصور: تحلف على براءتك بالطلاق والعتاق.
قال الصادق: نعم أحلف بالله ما كان من ذلك شئ.
قال المنصور: بل تحلف بالطلاق والعتاق.
قال الصادق: ألا ترضى بيميني: الله الذي لا إلا إلا هو!
قال أبو جعفر: لا تتفقه علي.
قال الصادق: وأين يذهب الفقه مني؟
قال المنصور: دع عنك هذا فإني أجمع الساعة بينك وبين الرجل الذي رفع عنك هذا حتى يواجهك.