بادرة... لهو انسان مروع مرعوب، يسلبه الخوف حلاوة العيش، وينغص الرعب ملاذ الحياة.
والانسان الثالث المطمئن إلى معيشته، الواثق بكرامته وسلامته، هو حلم الانسانية العذب. فكيف يتحقق هذا الحلم؟ ومتى يصبح حقيقة واقعة؟
وقد قلنا ان العلاج الشيوعي للمشكلة الاجتماعية ناقص مضافا إلى ما أشرنا اليه من مضاعفات. فهو وان كان تتمثل فيه عواطف ومشاعر انسانية. أثارها الطغيان الاجتماعي العام، فأهاب بجملة من المفكرين إلى الحل الجديد، غير انهم لم يضعوا أيديهم على سبب الفساد ليقضوا عليه. وانما قضوا على شيء آخر، فلم يوفقوا في العلاج ولم ينجحوا في التطبيب.
أن مبدأ الملكية الخاصة ليس هو الذي نشأت عنه آثام الرأسمالية المطلقة، التي زعزعت سعادة العالم وهناءه، فلا هو الذي يفرض تعطيل الملايين من العمال في سبيل استثمار آلة جديدة تقضي على صناعاتهم. كما حدث في فجر الانقلاب الصناعي. ولا هو الذي يفرض التحكم في أجور الأجير وجهوده بلا حساب، ولا هو الذي يفرض على الرأسمالي أن يتلف كميات كبيرة من منتوجاته. تحفظا على ثمن السلعة وتفضيلا للتبذير على توفير حاجات الفقراء بها. ولا هو الذي يدعوه إلى جعل ثروته رأس مال كاسب يضاعفه بالربا، وامتصاص جهود المدينين بلا انتاج ولا عمل. ولا هو الذي يدفعه إلى شراء جميع البضائع الاستهلاكية من الأسواق ليحتكرها ويرفع بذلك من أثمانها. ولا هو الذي يفرض عليه فتح أسواق جديدة. وان انتهكت بذلك حريات الأمم وحقوقها وضاعت كرامتها وحريتها...
كل هذه المآسي المروعة لم تنشأ من الملكية الخاصة. وانما هي وليدة المصلحة المادية الشخصية التي جعلت مقياسا للحياة في النظام الرأسمالي، والمبرر المطلق لجميع التصرفات والمعاملات. فالمجتمع حين تقام أسسه على هذا المقياس الفردي والمبرر الذاتي لا يمكن ان ينتظر منه غير ما وقع. فان من طبيعة هذا المقياس تنبثق تلك اللعنات والويلات على الانسانية كلها. لا من مبدأ الملكية الخاصة. فلو ابدل المقياس ووضعت للحياة غاية جديدة مهذبة.