تشخيص الداء، وتعيين النقطة التي انطلق منها الشر حتى اكتسح العالم في ظل الأنظمة الرأسمالية. فبقيت تلك النقطة محافظة على موضعها من الحياة الاجتماعية في المذهب الشيوعي. وبهذا لم تظفر الانسانية بالحل الحاسم لمشكلتها الكبرى، ولم تحصل على الدواء الذي يطيب أدواءها ويستأصل أعراضها الخبيثة.
أما مضاعفات هذا العلاج فهي جسيمة جدا: فان من شأنه القضاء على حريات الافراد، لإقامة الملكية الشيوعية مقام الملكيات الخاصة.
وذلك لأن هذا التحويل الاجتماعي الهائل على خلاف الطبيعة الانسانية العامة، إلى حد الآن على الأقل - كما يعترف بذلك زعماؤه - باعتبار ان الانسان المادي لا يزال يفكر تفكيرا ذاتيا، ويحسب مصالحه من منظاره الفردي المحدود. ووضع تصميم جديد للمجتمع يذوب فيه الأفراد نهائيا، ويقضي على الدوافع الذاتية قضاء تاما... موضع التنفيذ، يتطلب قوة حازمة تمسك زمام المجتمع بيد حديدية، وتحبس كل صوت يعلو فيه، وتخنق كل نفس يتردد في أوساطه، وتحتكر جميع وسائل الدعاية والنشر، وتضرب على الأمة نطاقا لا يجوز أن تتعداه بحال، وتعاقب على التهمة والظنة، لئلا يفلت الزمام من يدها فجأة. وهذا أمر طبيعي في كل نظام يراد فرضه على الأمة، قبل أن تنضج فيها عقلية ذلك النظام وتعم روحيته.
نعم لو أخذ الانسان المادي يفكر تفكيرا اجتماعيا، ويعقل مصالحه بعقلية جماعية، وذابت من نفسه جيمع العواطف الخاصة والأهواء الذاتية والانبعاثات النفسية، لأمكن ان يقوم نظام يذوب فيه الافراد، ولا يبقى في الميدان الا العملاق الاجتماعي الكبير. ولكن تحقيق ذلك في الانسان المادي، الذي لا يؤمن الا بحياة محدودة ولا يعرف معنى لها الا اللذة المادية يحتاج إلى معجزة تخلق الجنة في الدنيا، وتنزل بها من السماء إلى الأرض. والشيوعيون يعدوننا بهذه الجنة، وينتظرون ذلك اليوم الذي يقضي فيه المعمل على طبيعة الانسان، ويخلقه من جديد انسانا مثاليا في أفكاره وأعماله، وان لم يكن يؤمن بذرة من القيم المثالية والأخلاقية. ولو تحققت هذه المعجزة فلنا معهم حينئذ كلام.