واما الآن، فوضع التصميم الاجتماعي الذي يرومونه، يستدعي حبس الأفراد في حدود فكرة هذا التصميم، وتأمين تنفيذه بقيام الفئة المؤمنة به على حمايته، والاحتياط له بكبت الطبيعة الانسانية والعواطف النفسية. ومنعها من الانطلاق بكل أسلوب من الأساليب. والفرد في ظل هذا النظام وان كسب تأمينا كاملا، وضمانا اجتماعيا لحياته وحاجاته، لأن الثروة الجماعية تمده بكل ذلك في وقت الحاجة.. ولكن أليس من الأحسن بحال هذا الفرد أن يظفر بهذا التأمين دون أن يخسر استنشاق نسيم الحرية المهذبة، ويضطر إلى إذابة شخصه في النار، واغراق نفسه في البحر الاجتماعي المتلاطم؟
وكيف يمكن أن يطمع بالحرية - في ميدان من الميادين - انسان حرم من الحرية في معيشته، وربطت حياته الغذائية ربطا كاملا بهيئة معينة، مع ان الحرية الاقتصادية والمعيشية هي أساس الحريات جميعا.
ويعتذر عن ذلك المعتذرون فيتساءلون: ماذا يصنع الانسان بالحرية والاستمتاع بحق النقد والاعلان عن آرائه، وهو يرزح تحت عبء اجتماعي فضيع؟ وماذا يجديه أن يناقش ويعترض. وهو أحوج إلى التغذية الصحيحة والحياة المكفولة منه إلى الاحتجاج والضجيج الذي تنتجه له الحرية؟!.
وهؤلاء المتسائلون لم يكونوا ينظرون الا إلى الديمقراطية الرأسمالية، كأنها القضية الاجتماعية الوحيدة التي تنافس قضيتهم في الميدان، فانتقصوا من قيمة الكرامة الفردية وحقوقها، لأنهم رأوا فيها خطرا على التيار الاجتماعي العام... ولكن من حق الانسانية ان لا تضحي بشيء من مقوماتها وحقوقها ما دامت غير مضطرة إلى ذلك، وانها انما وقفت موقف التخيير بين كرامة هي من الحق المعنوي للانسانية، وبين حاجة هي من الحق المادي لها. إذا أعوزها النظام الذي يجمع بين الناحيتين ويوفق إلى حل المشكلتين.
ان انسانا يعتصر الآخرون طاقاته، ولا يطمئن إلى حياة طيبة وأجر عادل وتأمين في أوقات الحاجة... لهو انسان قد حرم من التمتع بالحياة، وحيل بينه وبين الحياة الهادئة المستقرة. كما ان انسانا يعيش مهددا في كل لحظة، محاسبا على كل حركة. معرضا للاعتقال بدون محاكمة. وللسجن والنفي والقتل لأدنى