ويزعم الديالكتيكيون انهم وحدهم الذين يعتبرون الطبيعة حالة حركة وتغير دائمين. وينعون على المنطق الميتافيزيقي والأسلوب التقليدي للتفكير طريقة دراسته للأشياء وفهمها. إذ يفترض الطبيعة في حالة سكون وجمود مطلقين، فهو لا يعكس الطبيعة على واقعها المتطور المتحرك. فالفرق بين المنطق الجدلي الذي يعتقد في الطبيعة حركة دائمة وصاعدة أبدا، والمنطق الشكلي - في زعمهم - كالفرق بين شخصين أرادا أن يسيرا أغوار كائن حي في شتى أدواره، فأجرى كل منهما تجاربه عليه، ثم وقف أحدهما يراقب تطوره وحركته المستمرة، ويدرسه على ضوء تطوراته كلها، واكتفى الآخر بالتجربة الأولى، معتقدا ان ذلك الكائن جامد في كيانه، ثابت في هويته وواقعه. فالطبيعة برمتها شأنها شأن هذا الكائن الحي، من النبات أو الحيوان، في تطوره ونموه، فلا يواكبها الفكر الا إذا جاراها في حركتها وتطورها.
والواقع ان قانون التطور الديالكتيكي الذي يعتبره الجدل الحديث من مميزاته الأساسية، ليس شيئا جديدا في الفكر الانساني، وانما الجديد طابعه الديالكتيكي الذي يجب نزعه عنه. كما سنعرف. فهو في حدوده الصحيحة ينسجم مع المنطق العام، ولا صلة له بالديالكتيك، ولا فضل للديالكتيك في اكتشافه، فليس علينا لأجل ان نقبل هذا القانون، ونعرف سبق الميتافيزيقا اليه، الا ان نجرده عن قالب التناقض، وأساس الجدل القائم عليه في عرف الديالكتيك.
ان الميتافيزيقي في زعم الديالكتيكي يعقتد ان الطبيعة جامدة يخيم عليها السكون، وأن كل شيء فيها ثابت لا يتغير ولا يتبدل، كأن الميتافيزيقي المسكين قد حرم من كل ألوان الادراك، وسلب منه الشعور والحس معا، فأصبح لا يحس ولا يشعر بما يشعر به جميع الناس وحتى الأطفال، من ضروب التغير والتبدل في دنيا الطبيعة.
ومن الواضح لدى كل أحد، ان الايمان بوجود التغير في عالم الطبيعة مسألة لا تحتاج إلى دراسات علمية سابقة، وليست موضعا لخلاف أو نقاش، وانما الجدير بالدرس هو ماهية هذا التغير، ومدى عمقه وعمومه. فان التغير نحوان: أحدهما التعاقب البحت، والآخر الحركة. والتاريخ الفلسفي يروي