لحظة معينة كانت في درجة (90) - فكرة صحيحة وحقيقة مطلقة. ولذا نستطيع ان نؤكد صدقها دائما ز ولا نعني بالتأكيد على صدقها بصورة دائمة ان درجة (90) كانت هي الدرجة الثابتة لحرارة الماء على طول الخط، فان الحقيقة التي اكتسبناها بالتجربة لا تتناول حرارة الماء الا في لحظة معينة، فحين نصفها بأنها حقيقة مطلقة. وليست موقتة، نريد بذلك ان الحرارة في تلك اللحظة المعينة قد تعينت في درجة (90) بشكل نهائي، فالماء وان جاز ان تبلغ حرارته درجة (100) مثلا عقيب تلك اللحظة، ولكن من غير الجائز ان يعود ما عرفناه من درجة الحرارة عن تلك اللحظة الخاصة خطأ بعد ان كان حقيقة.
وإذا عرفنا ان الحقيقة هي الفكرة المطابقة للواقع، وتبينا ان الفكرة إذا كانت مطابقة للواقع في ظرف معين، فلا يمكن ان تعود بعد ذلك فتخالف الواقع في ذلك الظرف بالذات. أقول: إذا علمنا ذلك كله يتجلى بوضوح الخطأ في تطبيق قانون الحركة على الحقيقة، لان الحركة تثبت التغير في الحقيقة، وتجعلها دائما حقيقة نسبية وموقتة بمرحلتها الخاصة من التطور، وقد عرفنا انه لا تغير ولا توقيت في الحقائق، كما ان التطور والتكامل في الحقيقة يعني ان الفكرة تصبح بالحركة حقيقية بشكل أقوى، كما ان الحرارة ترتقي بالحركة إلى درجة أكبر مع ان الحقيقة تختلف عن الحرارة. فالحرارة يمكن ان تشتد وتقوى، واما الحقيقة فهي - كما عرفنا تعبر عن الفكرة المطابقة للواقع ولا يمكن ان تقوى مطابقة الفكرة للواقع وتشتد، كما هو شأن الحرارة، وانما يجوز ان ينكشف للفكر الانساني جانب جديد من ذلك الواقع لم يكن يعلم به قبل ذلك، غير ان هذا لسي تطورا للحقيقة المعلومة سلفا، وانما هو حقيقة جديدة يضيفها العقل إلى الحقيقة السابقة. فإذا كنا نعرف - مثلا - ان ماركس تأثر بمنطق هيجل. فهذه المعرفة هي الحقيقة الأولى التي عرفناها عن علاقة ماركس بفكر هيجل. وحين نطالع بعد ذلك تاريخه وفلسفته نعرف انه كان على النقيض من مثالية هيجل، كما نعرف انه اتخذ جدله فطبقه تطبيقا ماديا على التاريخ والاجتماع إلى غير ذلك من العلاقات الفكرية بين الشخصين. فكل هذه معارف جديدة تكشف عن جوانب مختلفة من الواقع، وليست نموا وتطورا للحقيقة الأولى التي حصلنا عليها منذ البدء.