وليست اكتشافا لشيء سبق وجوده. وعرفها (شلر) بأنها ما تخدم الانسان وحده. وحدد (ديوي) وظيفة الفكرة قائلا ان الفكرة أداة لترقية الحياة، وليست وسيلة إلى معرفة الأشياء في ذاتها.
وفي هذا المذهب خلط واضح بين الحقيقة نفسها، والهدف الأساسي من محاولة الظفر بها. فقد ينبغي ان يكون الغرض من اكتساب الحقائق، هو استثمارها في المجال العملي والاستنارة بها في تجارب الحياة، ولكن ليس هذا هو معنى الحقيقة بالذات. ونلخص الرد عليه فيما يأتي.
أولا: ان اعطاء المعنى العملي البحت للحقيقة، وتجريدها من خاصة الكشف عما هو موجود وسابق، استسلام مطلق للشك الفلسفي، الذي تحارب التصورية والسفسطة لأجله. وليس مجرد الاحتفاظ بلفظة الحقيقة في مفهوم آخر كافيا للرد عليه أو التخلص منه.
ثانيا: ان من حقنا التساؤل عن هذه المنفعة العملية، التي اعتبرت مقياسا للحق والباطل في (البراجماتزم)، أهي منفعة الفرد الخاص الذي يفكر؟ أو منفعة الجماعة؟ ومن هي هذه الجماعة؟ وما هي حدودها؟ وهل يقصد بها النوع الانساني بصورة عامة؟ أو جزء خاص منه؟ وكل من هذه الافتراضات لا تعطي تفسيرا معقولا لهذا المذهب الجديد. فالمنفعة الشخصية إذا كانت هي المعيار الصحيح للحقيقة، وجب ان تختلف الحقائق باختلاف مصالح الافراد. فتحدث بسبب ذلك فوضى اجتماعية مريعة، حين يختار كل فرد حقائقه الخاصة، دون أي اعتناء بحقائق الآخرين المنبثقة عن مصالحهم. وفي هذه الفوضى ضرر خطير عليهم جميعا. واما إذا كانت المنفعة الانسانية العامة هي المقياس، فسوف يبقى هذا المقياس معلقا في عدة من البحوث والمجالات، لتضارب المصالح البشرية واختلافها في كثير من الأحايين، بل لا يمكن البت حينئذ بحقيقة مهما كانت، ما لم تمر بتجربة اجتماعية طويلة الأمد. ومعنى ذلك ان (جيمس) نفسه، لا يمكنه ان يعتبر مذهبه (البراجماتزم) صحيحا ما لم يمر بهذه التجربة، ويثبت جدارته في الحياة العملية. وهكذا يوقف المذهب نفسه.