وأنا أعلم ان هذه الكلمات تثير اشمئزاز الماركسيين، وتجعلهم يقذفون الفكر الميتافيزيقي بما تعودوا الصاقه به من تهم، فيقولون ان الفكر الميتافيزيقي يجمد الطبيعة ويعتبرها حالة ثبات وسكون، لأنه يعتقد بالحقائق المطلقة، ويأبى عن قبول مبدأ التطور والحركة فيها، وقد انهار مبدأ الحقائق المطلقة تماما، باستكشاف تطور الطبيعة وحركتها.
ولكن الواقع الذي يجب ان يفهمه قارئنا العزيز ان الايمان بالحقائق المطلقة ورفض التغير والحركة فيها. لا يعني مطلقا تجميد الطبيعة. ولا ينفي تطور الواقع الموضوعي وتغيره. ونحن في مفاهيمنا الفلسفية نعتقد بأن التطور قانون عام في عالم الطبيعة، وان كينونته الخارجية في صيرورة مستمرة، ونرفض في نفس الوقت كل توقيت للحقيقة وكل تغير فيها.
ولنفرض - لايضاح ذلك - ان سببا معينا جعل الحرارة تشتد في ماء خاص. فحرارة هذا الماء بالفعل في حركة مستمرة، وتطور تدريجي. ومعنى ذلك ان كل درجة من الحرارة يبلغها الماء فهي درجة مؤقتة، وسوف يعبرها الماء بصعود حرارته إلى درجة أكبر. فليس للماء في هذا الحال درجة حرارة مطلقة. هذا هو حال الواقع الموضوعي القائم في الخارج، فإذا قسنا حرارته في لحظة معينة، فكانت الحرارة فيه حال تأثر المقياس بها قد بلغت (90) - مثلا -، فقد حصلنا على حقيقة عن طريق التجربة، وهذه الحقيقة هي ان درجة حرارة الماء في تلك اللحظة المعينة كانت (90) وانما نقول عنها انها حقيقة لأنها فكرة تأكدنا من مطابقتها للواقع، أي لواقع الحرارة في لحظة خاصة. ومن الطبيعي ان حرارة الماء سوف لا تقف عند هذه الدرجة، بل انها سوف تتصاعد حتى تبلغ درجة الغليان.
ولكن الحقيقة التي اكتسبناها هي الحقيقة لم تتغير، بمعنى انا متى لاحظنا تلك اللحظة الخاصة التي قمنا حرارة الماء فيها، نحكم - بكل تأكيد - بأن حرارة الماء كانت بدرجة (90) فدرجة (90) من الحرارة التي بلغها الماء وان كانت درجة مؤقتة بلحظة خاصة من الزمان وسرعان ما اجتازتها الحرارة إلى درجة أكبر منها، الا ان الفكرة التي حصلت لنا بالتجربة - وهي ان الحرارة في