ثالثا: ان وجود مصلحة للانسان في صدق فكرة ما، لا يكفي لامكان التصديق بها فالملحد لا يمكنه ان يصدق بالدين، ولو آمن بدوره الفعال في تسلية الانسان، وإنعاش آماله ومؤاساته في حياته العملية.
فهذا (جورج سنتيانا) يصف الايمان بأنه غلطة جميلة، أكثر ملاءمة لنوازع النفس من الحياة نفسها. فليس التصديق بفكرة نظير الألوان الأخرى من النشاط العملي. التي يمكن للانسان ان يقوم بها إذا تحقق من فائدتها. وهكذا يقوم (البراجماتزم) على عدم التفرقة بين التصديق - النشاط الذهني الخاص - ومختلف النشاطات العملية، التي يباشرها الانسان على ضوء مصالحه وفوائده.
ونخلص من هذه الدراسة إلى ان المفهوم الوحيد للحقيقة، الذي يمكن للفلسفة الواقعية اتخاذه، هو (الفكرة المطابقة للواقع).
والماركسية التي تنادي بامكان المعرفة الحقيقية وترفض لأجل ذلك النزعات التصورية والشكية والسفسطائية، ان كانت تعني بالحقيقة مفهوما آخر غير مفهومها الواقعي، فهي لا تتعارض مع تلك المذاهب مطلقا، لأن مذاهب الشك والسفسطة انما ترفض الحقيقة بمعنى الفكرة المطابقة للواقع، ولا ترفض لفظ الحقيقة بأي مفهوم كان. فلا يمكن للماركسية ان تبرأ من نزعات الشك والسفسطة، لمجرد اتخاذ لفظ الحقيقة وبلورته في مفهوم جديد.
فيجب اذن لأجل رفض تلك النزعات حقا، ان تأخذ الماركسية الحقيقة بمفهومها الواقعي الذي ترتكز عليه الفلسفة الواقعية، حتى يمكن اعتبارها فلسفة واقعية مؤمنة بالقيم الموضوعية للفكر حقا.
وإذا عرفنا المفهوم الواقعي الصحيح للحقيقة حان لنا ان نتبين ما إذا كان من الممكن للحقيقة بهذا المفهوم الذي تقوم على أساسه الواقعية ان تتطور وتتغير بحركة صاعدة كما تعتقد الماركسية أولا؟
ان الحقيقة لا يمكن ان تتطور وتنمو، وان تكون محدودة في كل مرحلة من مراحل تطورها بحدود تلك المرحلة الخاصة، بل لا تخرج الفكرة - كل فكرة - عن أحد أمرين: فهي اما حقيقة مطلقة واما خطأ.