فلا تتسع في الميدان الرياضي للخطأ أو التناقض، ما دام الميدان الرياضي هو الميدان الفطري للنفس، وما دامت قضاياه منشأة من قبلنا وليست مقتبسة من واقع موضوعي منفصل عنا لنشك في مدى امكان معرفته واستكناه سره.
والثانية: الطبيعيات، أي المعارف البشرية عن العالم الموضوعي الذي يدخل في نطاق التجربة.
ويبدأ (كانت) هنا باستبعاد المادة عن هذا النطاق لأن الذهن لا يدرك من الطبيعة الا ظواهرها. فهي يتفق مع (باركلي) على أن المادة ليست موضوعا للادراك والتجربة، ولكنه يختلف عنه من ناحية أخرى. فهو لا يعتبر ذلك دليلا على عدم وجود المادة ومبررا لنفيها فلسفيا كما زعم باركلي.
وإذا أسقطت المادة من الحساب فلا يبقى للعلوم الطبيعية الا الظواهر التي تدخل في حدود التجربة، فهذه الظواهر هي موضوع هذه العلوم ولذلك كانت الاحكام فيها تركيبية ثانوية لأنها: ترتكز على درس الظواهر الموضوعية للطبيعة، وهذه الظواهر انما تدرك بالتجربة. وإذا أردنا أن نحلل هذه الاحكام التركيبية الثانوية من قبل العقل، وجدناها مركبة في الحقيقة من عنصرين: أحدهما تجريبي، والآخر عقلي.
أما الجانب التجريبي من تلك الأحكام العقلية فهو الإحساسات المستوردة بالتجربة من الخارج، بعد صب الحس الصوري لها في قالبي الزمان والمكان. وأما الجانب العقلي فهو الرابطة الفطرية التي يسبغها العقل على المدركات الحسية، ليتكون من ذلك علم ومعرفة عقلية. فالمعرفة اذن مزيج من الذاتية والموضوعية، فهي ذاتية في صورتها. وموضوعية في مادتها، لأنها نتيجة التوحيد بين المادة التجريبية المستوردة من الخارج، واحدى الصور العقلية الجاهزة فطريا في العقل. فنحن نعرف - مثلا - ان الفلزات تتمدد بالحرارة، وإذا أخذنا هذه المعرفة بشيء من التحليل نتبين ان موادها الخام، وهي ظاهرة التمدد في الفلزات وظاهرة الحرارة، جاءت عن طريق التجربة، ولولاها لما استطعنا أن ندرك هذه الظواهر. وأما الناحية الصورية في المعرفة أي سببية احدى الظاهرتين للأخرى فليست تجريبية. بل مردها إلى مقولة العلية التي هي من