بالعلة يوجب العلم بالمعول ينافي ما توهموه كما سبقت إليه الإشارة (وقد أنكر أبو الحسين (البصري ذلك) الذي ذكره هؤلاء المشايخ من أن علمه بأنه وجد عين علمه بأنه سيوجد واحتج عليه بوجود * الأول حقيقة إنه سيقع غير حقيقة إنه وقع) بالضرورة (فالعلم به غير العلم به لأن اختلاف المتعلقين) أي المعلولين (يستدعي اختلاف العلم بهما * الثاني أن شرط العلم بأن وقع) هو (الوقوع وشرط العلم بأنه سيقع) هو (عدم الوقوع فلو كانا واحدا لم يختلف شرطهما) أصلا فضلا عن التنافي بين شرطيهما (وقد يعبر عنه) أي عن الوجه الثاني (بأن من علم أن زيدا سيدخل البلد غدا وجلس إلى مجئ الغد في بيت مظلم) مستديما لذلك العلم (فلم يعلم) لأجل الظلمة (دخول غد لم يعلم أنه دخل البلد) بذلك العلم المستمر فيكف يكون أحدهما عين الآخر (نعم لو انضم إليه) أي إلى العلم بأنه سيدخل (العلم بدخول غد علم) من هذين العلمين (ذلك) أي أنه دخل فيكون حينئذ هذا العلم متفرعا على العملين السابقين لا عين أحدهما وإنما لم يجعله وجها ثالثا كما فعله الإمام الرازي في الأربعين لأن محصوله هو أن العلم بأنه سيدخل البلد غدا أوليس مشروطا بالعلم بمجئ الغد والعلم بأنه دخل في مثالنا هذا مشروط به فيكون راجعا إلى الوجه الثاني لا وجها على حدة (الثالث يمكن العلم بأنه وقع مع
الجهل بأنه سيقع) كما إذا علم الحادث حال حدوثه ولم يشعر به قبله أصلا (وبالعكس) كما إذا علم حاله قبل حدوثه ولم يشعر به في أوانه (وغير المعلوم) أي ما ليس معلوما في زمان (غير المعلوم) أي مغاير لما هو معلوم في ذلك الزمان وإذا تغاير المعلومات تغاير العلمان وعلى هذا فقد رجع الثالث إلى الأول والصواب كما هو في الأربعين أنه يمكن
____________________
فمنافاة مذهبهم على أي محمل حمل لأصل من أصولهم المقررة عندهم لازمة لله لا مجال لتخليصهم عنها (قوله الأول حقيقة إنه سيقع غير حقيقة إنه وقع الخ) لا يخفى أنه إذا أرجع كلام المشايخ إلى ما مر نقله من الفلاسفة لم يتم هذا الاحتجاج إذ حقيقة سيقع وحقيقة وقع وإن كانا متغايرين إلا أنه لا يتحقق سيقع ووقع بالنسبة إلى من أوليس علمه زمانيا ولا يتصور بالنسبة إليه ماض ومستقبل (قوله فقد رجع الثالث إلى الأول) قد يجاب عنه بأن المقصود من الوجه الثالث أن كلا من العلمين ينفك عن الآخر وانفكاك الشئ عن نفسه محال فثبت تغايرهما وهو ظاهر إلا أنه ضم إليه تغاير المتعلقين لزيادة الاستظهار ويشهد به شهادة بينة قوله وقد يغير الخ فإنه صريح في بيان انفكاك كل منهما عن الآخر فعلى هذا لم يرجع الثالث إلى الأول (قوله والصواب كما هو في الأربعين) رد عليه بأنه يدل على تغاير العلمين بالاعتبار لا بالذات وهو المراد وذلك لأن الشئ الواحد يجوز أن يكون معلوما باعتبار ومجهولا بآخر وأجيب بأن المراد أنه يمكن العلم بأنه سيقع في الجملة مع الجهل بأنه عالم بأنه وقع من كل الوجوه فعلى هذا يثبت