الزمان كان حاضرا عنده وما حدث قبله أو بعده كان ماضيا أو مستقبلا وأما علمه تعالى فلا اختصاص له بزمان أصلا (فلا يكون ثمة حال وماض ومستقبل) فإن هذه صفات عارضة للزمان بالقياس إلى ما يختص بجزء منه (إذ الحال معناه زمان حكمي هذا والماضي زمان) هو (قبل زمان حكمي هذا والمستقبل زمان) هو (بعد زمان حكمي هذا فمن كان علمه أزليا محيطا بالزمان) وغير محتاج في وجوده إليه وغير مختص بجزء معين من أجزائه (لا يتصور في حقه حال ولا ماض ولا مستقبل) فالله سبحانه وتعالى عالم عندهم بجميع الحوادث الجزئية وأزمنتها الواقعة هي فيها لا من حيث إن بعضها واقع الآن وبعضها في الماضي وبعضها في المستقبل فإن العلم بها من هذه الحيثية يتغير بل يعلمها علما متعاليا عن الدخول تحت الأزمنة ثابتا أبد الدهر وتوضيحية إنه تعالى لما لم يكن مكانيا كانت نسبته إلى جميع الأمكنة على سواء فليس فيها بالقياس إليه قريب وبعيد ومتوسط كذلك لما لم يكن هو صفاته الحقيقية زمانية لم يتصف الزمان مقيسا إليه بالمضي والاستقبال والحضور بل كان نسبته إلى جميع الأزمنة سواء فالموجودات من الأزل إلى الأبد معلومة له كل في وقته وليس في علمه كان وكائن وسيكون بل هي حاضرة عنده في أوقاتها فهو عالم بخصوصيات الجزئيات وأحكامها لكن لا من حيث دخول الزمان فيها بحسب أوصافها الثلاثة إذ لا تحقق لها بالنسبة إليه ومثل هذا العلم يكون ثابتا مستمرا لا يتغير أصلا كالعلم بالكليات قال بعض الفضلاء وهذا معنى قولهم إنه يعلم الجزئيات على وجه كلي لا ما توهمه بعضهم من أن علمه محيط بطبائع الجزئيات وأحكامها دون خصوصياتها وما يتعلق بها من الأحوال كيف وما ذهبوا إليه من أن العلم
____________________
جواب المشايخ ويدفع عنه الاعتراض المذكور (قوله كذلك لما لم يكن هو وصفاته الحقيقية زمانية) فيه بحث لأن الله سبحانه أوليس بواقع في الزمان وكذا صفاته لكن لا شك أنه مقارن له كما مر وهذه المقارنة تكفي في اتصاف الزمان مقيسا إليه تعالى بالأوصاف الثلاثة وبالجملة المكان مجتمع الأجزاء حاضر عنده تعالى ولا يتصور فيه القرب والبعد بالنسبة إليه سبحانه لأنه أوليس بمكاني وهذا ظاهر وأما الزمان فأجزاؤه ممتنعة الاجتماع في الوجود وكذا الزمانيات قد لا تكون مجتمعة فيه فالقول بأن نسبته تعالى إلى جميع الأزمنة سواء مع مقارنته لليوم مثلا بناء على أنه ليس بواقع في الزمان لا يخلو عن إشكال فالأولى في بيان عدم لزوم التغير أصلا أن يترك القياس على المكان ولا يبنى الكلام على أنه تعالى أوليس زمانيا بل يقال أن الله تعالى يعلم أن الجزء المعين من الزمان لا باعتبار المضي والاستقبال والحضور بل بحسب ذاته تعالى ظرف للحادث الفلاني والعلم بهذا الوجه لا يتغير بتغير الأزمنة سواء كان العلم زمانيا أولا وهذا ظاهر عند التأمل (قوله قال بعض الفضلاء الخ) قال الأستاذ المحقق ما ذهبوا إليه من أن العلم بالجزئيات المتشكلة يحتاج إلى الآلات الجسمانية ينافي ما حمل عليه هذا الفاضل مذهبهم في هذه المسألة