شرح المواقف - القاضى الجرجانى - ج ٨ - الصفحة ٢٩٩
الناطقة الفناء كانت باقية بعد المفارقة (ثم إنها إما جاهلة) جهلا مركبا (وإما عالمة أما الجاهلة فتتألم بعد المفارقة أبدا) كالكافر عندنا (وذلك لشعورها بنقصانها نقصانا لا مطمع له في زواله) وإنما لم تتألم قبل المفارقة لأنها لما كانت مشتغلة بالمحسوسات منغمسة في العلائق البدنية ولم تكن تعقلاتها صافية عن الشوائب العادية والظنون والأوهام الكاذبة لم تتنبه لنقصانها وفوت كمالاتها بل ربما تخيلت أضداد الكمال كمالا وفرحت بعقائدها الباطلة واشتاقت الوصول إلى معتقداتها وإذا فارقت صفت تعقلاتها وشعرت بفوت كمالاتها وامتناع نيلها وحصول نقصاناتها شعورا لا يخفى فيه التباس (وأما العالمة فأما) أن تكون (لها هيئات رديئة اكتسبتها بملابسة البدن ومباشرة الرذائل المقتضاة للطبيعة وميلها إلى الشهوات أولا فإن كانت) تلك الهيئات حاصلة لها (تألمت بها) تألما عظيما واشتاقت إلى مشتهياتها التي ألفت بها اشتياق العاشق المهجور الذي لم يبق له رجاء الوصول (ما دامت) تلك الهيئات (باقية فيها لكنها تزول عاقبة الأمر بحسب شدة رسوخها فيها وضعفها لأنها إنما حصلت لها للركون إلى البدن وجرتها) أي جرت وكسبت تلك الهيئات للنفس (محبتها له) أي للبدن (وذلك مما ينسي بطول العهد به وتزول بالتدريج) وتقطع عقوبتها بها كالمؤمن من الفاسق على رأينا (وإن لم تكن) تلك الهيئات للنفس (بل كانت كاملة بريئة عن الهيئات الرديئة التذت بها) أي بوجدان لذاتها كذلك (أبدا مبتهجة بإدراك كمالها) باقيا سرمدا كالمؤمن المتقي عندنا وأما النفوس الساذجة التي غلبت عليها سلامة الصدور وقلة الاهتمام بأمور الدنيا فلا عقوبة لها لعدم شعورها بالكمالات وانتفاء اشتياقها إليها كغير المكلفين عندنا (فهذا ما عليه
____________________
لاستعداد انقطاع تعلقها به إذا خرجت عن المزاج الصالح لأن يكون محلا لتدبيرها وتصرفها لكن لما لم يتوقف انقطاع تدبيرها على عدمها في نفسها لم يكن هذا الاستعداد منسوبا إلى عدمها في نفسها لا بالذات ولا بالعرض فظهر الفرق بين استعداد حدوثها واستعداد عدمها وإن الأول يجوز قيامه بالبدن دون الثاني واندفع النقض بالصور الغائبة لأن انتفاء حلولها في المادة يستلزم انتفاءها عندهم وأنت خبير بأن هذا مبني على بساطة النفس وتجردها وقد تحققت فيما سبق إن أدلة ذلك غير تامة وعلى تقدير تمامها جاز أن يكون قابل الفناء نفس النفس إذ لا محذور في ذلك كما تحققت الآن وهذا الجواب الاجمالي والتفصيلي مذكور في المطولات (قوله وأما العالمة الخ) قال ابن سينا في بعض كتبه أما قدر العلم الذي يحصل به السعادة الأخروية فليس يمكنني أن أنص عليه نصا إلا بالتقريب وأظن أن ذلك أن يتصور الإنسان المبادئ المفارقة تصورا حقيقيا ويصدق بها تصديقا يقينيا برهانيا ويعرف العلل الثانية للحركات الكلية دون الجزئية التي لا تتناهى ويتقرر عنده هيئة الكل ونسب أجزائه بعضها إلى بعض والنظام الآخذ من المبدإ الأول إلى أقصى الموجودات الواقعة في ترتيبه ويتصور العناية وكيفيتها
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الموقف الخامس في الإلهيات 2
2 المرصد الأول في الذات وفيه مقاصد 2
3 المقصد الأول 2
4 المقصد الثاني 14
5 المقصد الثالث 18
6 المرصد الثاني وفيه مقاصد 19
7 المقصد الأول 19
8 المقصد الثاني 25
9 المقصد الثالث 26
10 المقصد الرابع 27
11 المقصد الخامس 28
12 المقصد السادس 31
13 المرصد الثالث في توحيده تعالي 39
14 المرصد في الرابع في الصفات الوجودية 44
15 المقصد الأولى في اثبات الصفات 44
16 المقصد الثاني في قدرته 49
17 المقصد الثالث 64
18 المقصد الرابع 80
19 المقصد الخامس 81
20 المقصد السادس 87
21 المقصد السابع 91
22 المقصد الثامن 104
23 المرصد الخامس وفيه مقصدان 115
24 المقصد الأول 115
25 المقصد الثاني 143
26 المرصد السادس في أفعاله تعالى 145
27 المقصد الأول 145
28 المقصد الثاني 159
29 المقصد الثالث 168
30 المقصد الرابع 173
31 المقصد الخامس 181
32 المقصد السادس 195
33 المقصد السابع 200
34 المقصد الثامن 202
35 المرصد السابع في أسماء الله تعالي 207
36 المقصد الأول 207
37 المقصد الثاني 209
38 المقصد الثالث 210
39 الموقف السادس في السمعيات 217
40 المرصد الأول في النبوات 217
41 المقصد الأول 217
42 المقصد الثاني 222
43 المقصد الثالث 230
44 المقصد الرابع 243
45 الكلام علي القرآن 243
46 المقصد الخامس 263
47 المقصد السادس 280
48 المقصد السابع 281
49 المقصد الثامن 283
50 المقصد التاسع 288
51 المرصد الثاني في المعاد وفيه مقاصد 289
52 المقصد الأول 289
53 المقصد الثاني في حشر الأجسام 294
54 المقصد الثالث 298
55 المقصد الرابع 301
56 المقصد الخامس 303
57 المقصد السادس 306
58 المقصد السابع 309
59 المقصد الثامن 312
60 المقصد التاسع 312
61 المقصد العاشر 314
62 المقصد الحادي عشر 317
63 المقصد الثاني عشر 320
64 المرصد الثاني في الأسماء وفيه مقاصد 322
65 المقصد الأول 322
66 المقصد الثاني 330
67 المقصد الثالث 331
68 المرصد الرابع في الإمامة 344