للدنيوية صورة ومخالفة لها حقيقة فتكون حقيقة هذه) الدنيوية (دفع الألم) كما ادعيتم (وحقيقة تلك) الأخروية (أمرا آخر) وجوديا (ولا مجال للوجدان والاستقراء فيها) أي في اللذات الأخروية حتى يدرك بهما حقيقتها كما أدركت حقيقة الدنيوية بهما على زعمكم (تذنيب * هل يعدم الله الأجزاء البدنية ثم يعيدها أو يفرقها ويعيد فيها التأليف الحق إنه لم يثبت ذلك ولا جزم فيه نفيا ولا إثباتا لعدم الدليل) على شئ من الطرفين (وما يحتج به) على الإعدام (من قوله تعالى كل شئ
هالك إلا وجهه ضعيف) في الدلالة عليه لأن التفريق هلاك) كالإعدام (فإن هلاك كل شئ خروجه عن صفاته المطلوبة منه وزوال التأليف الذي به تصلح الأجزاء لأفعالها وتتم منافعها والتفريق) بالرفع عطفا على زوال يجري منه مجرى التفسير وقوله (كذلك) خبر لهما أي زوال التأليف والتفريق خروج للشئ عن صفاته المطلوبة منه فيكون هلاكا ومثله يسمى فناء عرفا فلا يتم الاستدلال بقوله تعالى كل من عليها فإن على الإعدام أيضا * واعلم إن الأقوال الممكنة في مسألة المعاد لا تزيد على خمسة الأول ثبوت المعاد الجسماني فقط وهو قول أكثر المتكلمين النافين للنفس الناطقة والثاني ثبوت المعاد الروحاني فقط وهو قول الفلاسفة الإلهيين والثالث ثبوتهما معا وهو قول كثير من المحققين كالحليمي والغزالي والراغب وأبي زيد الدبوسي ومعمر من قدماء
المعتزلة وجمهور من متأخري الإمامية وكثير من الصوفية فإنهم قالوا الإنسان بالحقيقة هو النفس الناطقة وهي المكلف والمطيع والعاصي والمثاب والمعاقب والبدن يجري منها مجرى الآلة والنفس باقية بعد فساد البدن فإذا أراد الله تعالى حشر الخلائق خلق لكل واحد من الأرواح بدنا يتعلق به ويتصرف فيه كما كان في الدنيا والرابع عدم ثبوت شئ منهما وهذا قول القدماء من الفلاسفة الطبعيين والخامس التوقف في هذه الأقسام وهو المنقول عن جالينوس فإنه قال لم يتبين لي ان النفس هل هي المزاج فينعدم عند
الموت فيستحيل اعادتها أو هي جوهر باق بعد فساد البنية فيمكن المعاد حينئذ والمصنف قرر أولا مذهب
____________________
على تقدير تركه على حاله إلا أن يعتبر الألم حالة الحياة والاندفاع بالموت والعدم ولا يخفى بعده (قوله النافين للنفس الناطقة) والقائلين بأن النفس جسم إما هذا الهيكل المخصوص أو جسم داخل فيه وهو الأجزاء الأصلية كما علم من مذهبهم (قوله والثالث ثبوتهما معا) قال في شرح الصحائف وهذا على وجهين أحدهما أن يكون الروح مجردا عن المادة فيعاد الجسم ويتعلق به الروح أو يتعلق بجسم آخر من غير إعادة الجسم الأول وهذا مذهب قليل من أهل العلم كالغزالي والفارابي ومن تابعهما الثاني أن يكون الروح جسما سماويا ويعاد