جمهورهم وقال قوم منهم) أي من الفلاسفة (وهم أهل التناسخ إنما تبقى مجردة) عن الأبدان (النفوس الكاملة التي أخرجت قوتها إلى الفعل) ولم يبق شئ من الكمالات الممكنة لها بالقوة فصارت طاهرة عن جميع العلائق الجسمانية وتخلصت إلى عالم القدس (وأما) النفوس (الناقصة التي بقي شئ من كمالاتها بالقوة (فإنها تتردد في الأبدان الإنسانية) وننتقل من بدن إلى بدن آخر حتى تبلغ النهاية فيما هو كمالها من علومها واخلاقها فحينئذ تبقى مجردة مطهرة عن التعلق بالأبدان (ويسمى) هذا الانتقال (نسخا وقيل ربما تنازلت إلى) الأبدان (الحيوانية) فتنتقل من البدن الإنساني إلى بدن حيواني يناسبه في الأوصاف كبدن الأسد للشجاع والأرنب للجبان (ويسمى مسخا وقيل) ربما تنازلت (إلى) الأجسام (النباتية) ويسمى رسخا وقيل إلى الجمادية) كالمعادن والبسائط أيضا (ويسمى فسخا) قالوا وهذه التنازلات المذكورة هي مراتب العقوبات وإليها الإشارة بما ورد من الدركات الضيقة في جهنم (هذا في المتنازلة أو أما المتصاعدة) من مرتبة إلى ما هو أكمل منها (فقد تتخلص من الأبدان) كلها (لصيرورتها كاملة) في جميع صفاتها (كما مر وقد تتعلق ببعض الأجرام السماوية لبقاء حاجتها إلى الاستكمال ولا يخفي أن ذلك كله رجم بالظن بناء على قدم النفوس وتجردها) وقد أبطلناهما قال الإمام الرازي وأما القائلون بالمعاد الروحاني والجسماني معا فقد أرادوا أن يجمعوا بين الحكمة والشريعة فقالوا دل العقل على أن سعادة الأرواح بمعرفة الله تعالى ومحبته وأن سعادة الأجسام في إدراك المحسوسات والجمع بين هاتين السعادتين في هذه الحياة غير ممكن لأن الإنسان مع استغراقه في تجلي أنوار عالم الغيب لا يمكنه الالتفات إلى شئ من اللذات الجسمانية ومع استقرائه في استيفاء هذه اللذات لا يمكنه أن يلتفت إلى اللذات الروحانية وإنما تعذر هذا الجمع لكون الأرواح البشرية ضعيفة في هذا العالم فإذا فارقت
بالموت واستمدت من عالم القدس والطهارة قويت وكملت فإذا أعيدت إلى الأبدان مرة ثانية كانت قوية قادرة على الجمع بين الأمرين ولا شبهة في أن هذه الحالة هي الغاية القصوى من مراتب السعادات وأما المنكرون للمعاد مطلقا فهم الذين قالوا النفس هي المزاج فإذا
مات الإنسان فقد عدمت النفس وإعادة المعدوم عندهم محال وقال أيضا مسألة المعاد مبنية على أركان أربعة وذلك
____________________
ويتحقق إن الذات المتقدمة على الكل أي وجود يخصها وآية واحدة تخصها وأنها كيف يعرف حتى لا يلحقها تكثر وتغير بوجه من الوجوه وكيف نسبة ترتب الموجودات إليها ثم كلما ازداد الناظر استبصارا ازداد للسعادة