الوجه الذي يثبتونه من قبيل ما يتكون ويفسد (وأما الثاني فلأنه قول بالتناسخ) لأن النفوس تعلقت حينئذ بأبدان موجودة في العناصر بعد أن فارقت أبدانا فيها (و) أنتم (لا تقولون به وقد أبطل) أيضا (بدليله * وأما الثالث فلأن الفلك بسيط وشكله الكرة ولو وجد عالم آخر لكان كريا أيضا فينفرض بينهما خلاء) سواء تباينا أو تماسا (وأنه محال) وأنت خبير بأن هذا دليل لمن ينكر وجودهما مطلقا لا لمن ينكر وجودهما في الحال فقط (الجواب لا نسلم امتناع
الخرق على الأفلاك وقد تكلمنا على مأخذه ولا نسلم إن في عالم العناصر قول بالتناسخ وإنما يكون كذلك لو قلنا بإعادتها في أبدان أخر ولا نسلم إن وجود عالم آخر محال وقد تكلمنا على ذلك فلا نعيده * احتج أبو هاشم بوجهين * الأول قوله تعالى) في وصف الجنة (
أكلها) أي مأكولها (دائم مع قوله كل شئ) أي موجود (
هالك إلا وجهه فلو كانت) الجنة (مخلوقة وجب هلاك
أكلها) لا اندراجه حينئذ فيما حكم عليه بالهلاك (فلم يكن دائما) وهو باطل بالآية الأولى فتعين أنها ليست مخلوقة الآن فكذا النار (الجواب
أكلها دائم بدلا أي كلما فنى منه شئ جئ ببدله فإن دوام
أكل بعينه غير متصور) لأنه إذا
أكل فقد فنى (وذلك أي دوام
أكله على سبيل البدل (لا ينافي هلاكه أو نقول المراد) بهلاك كل شئ (إنه
هالك في حد ذاته لضعف الوجود الامكاني فالتحق بالهالك المعدوم أو نقول إنهما أي الجنة والنار (تعدمان آنا) بتفريق الأجزاء دون إعدامها (ثم تعودان) بجمعها وذلك كاف في هلاكهما) فتكونان دائمتين ذاتا هالكتين صورة في آن * (الثاني قوله تعالى)
____________________
التدوير فإن كونه وفساده لا يضر انتفاءه فيما فيه لكن لفظ الفاسدات لا يخلو عن تأييد لما ذكره الشارح فتدبر (قوله وأنتم لا تقولون به) عدم القول به لا يختص بنفي الثاني إذ التناسخ يعم التعلق ببدن آخر في السماء أيضا بل ببدن آخر على الاطلاق فإن تم كفى في تقرير الشبهة (قوله فينفرض بينهما خلاء) قلت لعل مالئا آخر ملأه قلت هم يقولون المالئ عالم آخر فيكون كريا أيضا نعم يمكن أن يقال لا نسلم إن الفلك بسيط ولا نسلم إن شكله الكرة ولا نسلم أنه يجب أن يكون للعالم الآخر فلك آخر (قوله وأنت خبير بأن هذا دليل لمن ينكر وجودهما مطلقا) كما صرح به الإمام في الملخص فالأولى ههنا ما ذكره الآمدي وهو أن أفعال الله تعالى لا تخلو عن حكمة وفائدة والفائدة في خلق الجنة والنار المجازاة بالثواب والعقاب وذلك غير مستحق قبل يوم القيامة إجماعا من المسلمين فلا فائدة في خلقهما الآن فيكون ممتنعا عقلا والجواب منع وجوب رعاية الحكمة في أفعاله تعالى وعلى تقدير تسليمه لا نسلم انحصار الفائدة في المجازاة فلعل فيه فائدة أخرى قد استأثر الله تعالى بعلمها إذ لا بعد في ذلك (قوله وجب هلاك أكلها) يجوز أن يقال فليكن أكلها يوم الجزاء وذاتها الآن لكن لما ورد على بقاء ذاتها أيضا قوله تعالى كل شئ هالك إلا وجهه لم يلتفت إلى هذا القول وأجيب بما يقطع دابر الشبهة