يعني به ما سوى
الكذب في التبليغ (فهي إما كفر أو غيره) من المعاصي (وأما الكفر فأجمعت الأمة علي عصمتهم منه) قبل النبوة وبعدها ولا خلاف لأحد منهم في ذلك (غير أن الأزارقة من
الخوارج جوزوا عليهم الذنب وكل ذنب عندهم كفر) فلزمهم تجويز الكفر بل يحكى عنهم أنهم قالوا بجواز
بعثة نبي علم الله تعالى أنه يكفر بعد نبوته (وجوزوا الشيعة إظهاره) أي إظهار الكفر (تقية) عند
خوف الهلاك لأن إظهار الإسلام حينئذ إلقاء للنفس في التهلكة (وذلك) باطل قطعا لأنه (يفضي إلى إخفاء الدعوة) بالكلية وترك تبليغ لرسالة (إذ أولى الأوقات بالتقية وقت الدعوة للضعف) بسبب قلة الموافق أو عدمه (وكثرة المخالفين) وأيضا ما ذكروه منقوض بدعوة إبراهيم
وموسى عليهما السلام في زمن نمرود وفرعون مع شدة
خوف الهلاك (وأما غير الكفر فإما كبائر أو صغائر وكل منهما إما) أن يصدر (عمدا وأما) أن يصدر (سهوا) فالأقسام أربعة وكل واحد منها إما قبل
البعثة أو بعدها (أما الكبائر) أي صدورها عنهم عمدا (فمنعه الجمهور) من المحققين والأئمة ولم يخالف فيه إلا الحشوية (والأكثر) من المانعين (على امتناعه سمعا) قال القاضي والمحققون من
الأشاعرة إن العصمة فيما وراء التبليغ غير واجبة عقلا إذ لا دلالة للمعجزة عليه فامتناع الكبائر عنهم عمدا مستفاد من السمع وإجماع الأمة قبل ظهور المخالفين في ذلك (وقالت
المعتزلة بناء على أصولهم) الفاسدة في التحسين والتقبيح العقليين ووجوب رعاية الصلاح والأصلح (يمتنع ذلك عقلا) لأن صدور الكبائر عنهم عمدا يوجب سقوط هيبتهم عن القلوب وانحطاط رتبتهم في أعين الناس فيؤدي إلى النفرة عنهم وعدم الانقياد لهم ويلزم
____________________
لا يظهر على يد من يكذب عمدا فالمعجزة تدل على صدقه في جميع ما يبلغه عن الله تعالى حالا واستقبالا (قوله وأيضا ما ذكروه منقوض الخ) النقض بالنسبة إلى ما دل عليه دليلهم من وجوب إظهار الكفر عند خوف الهلاك لأن إلقاء النفس في التهلكة حرام يجب اجتنابه لا بالنسبة إلى ما يفهم من ظاهر قوله وجوز الشيعة لأن الجواز لا ينافي التخلف لكن يرد على النقض بدعوة موسى عليه السلام إن إلقاء النفس في التهلكة إنما يلزم إذا لم يكن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عالما بعدم إهلاك قومه وعدم قدرتهم عليه وموسى عليه السلام كان عالما به كما دل عليه صريح قوله تعالى لا تخافا إني معكما أي بالحفظ والنصر بعد قول موسى وهارون عليهما السلام ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى نعم يتم النقض ببعض الأنبياء فإن العصمة غير لازمة فكيف أعلامها ألا يرى أن الكفار قتلوا فريقا من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ولم يسمع من أحدهم إظهار الكفر (قوله إلا الحشوية) بفتح الشين منسوبة إلى حشوية على وزن فعولة وهي قرية من قرى خراسان (قوله يوجب سقوط هيبتهم) يرد عليهم إن السقوط في الظهور والصدور غيره وغير مستلزم إياه اللهم إلا أن يقال سقوط الهيبة خاصة الكبيرة ولو صدرت سرا