كونه ممكنا فأنكر الله ذلك عليهم وعاقبهم كما أنكر قولهم لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من من الأرض ينبوعا وقولهم أنزل علينا كتابا من السماء بسبب التعنت وإن كان المسؤول أمرا ممكنا في نفسه (فأظهر الله) عليهم (ما يدل على
صدقة معجزا) ورادعا لهم عن تعنتهم (الرابع) من وجوه الاعتراض على الأول (أنه سألها) لنفسه (وإن علم استحالتها) بالعقل (ليتأكد دليل العقل بدليل السمع) فيتقوى علمه بتلك الاستحالة فإن تعدد الأدلة وإن كانت من جنس واحد تفيد زيادة قوة في العلم بالمدلول فكيف إذا كانت من جنسين وإنما سأل هذا السؤال وفعله (فعل إبراهيم) وسؤاله (حين قال) رب (أرني كيف تحيي
الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) فقد طلب الطمأنينة فيما يعتقده ويعلمه بانضمام المشاهدة إلى الدليل (والجواب أن العلم لا يقبل التفاوت) فإنه كما مر صفة توجب تمييزا لا يحتمل متعلقه النقيض بوجه من الوجوه (ولذلك يؤول قول الخليل) تارة (بما يضعف) وهو أنه مخاطبة منه لجبريل عند نزوله إليه بالوحي ليعلم أنه من عند الله وضعفه أنه خاطب الرب وجبرائيل أوليس برب وأيضا إحياء
الموتى أوليس مقدورا لجبرائيل فكيف يطلب منه (و) تارة (بما يقوي) وهو ما روي من أنه أوحى الله تعالى إليه إني اتخذت إنسانا خليلا وعلامته إني أحيي
الموتى بدعائه فظن إبراهيم أنه ذلك الإنسان فطلب الإحياء ليطمئن به قلبه (مع أنه كان يمكنه) أي يمكن موسى (ذلك) أي طلب التأكد من غير ارتكاب سؤال ما لا يمكن) من الرؤية بأن يطلب إظهار الدليل السمعي على استحالتها بلا طلب لها فيكون حينئذ طلبها خارجا عما يليق بالعقلاء خصوصا الأنبياء * (الخامس) من تلك الوجوه (أنه قد لا يعلم امتناع الرؤية ولا يضر) ذلك في نبوته (مع العلم بالوحدانية) لأن المقصود من
وجوب معرفته عندنا هو التوصل إلى العلم بحكمته وأنه لا يفعل قبيحا والغرض من
البعثة هو الدعوة إلى أنه تعالى واحد وأنه كلف عباده بأوامر ونواه تعريضا لهم إلى النعيم المقيم وذلك لا
يتوقف على العلم باستحالة رؤيته وأما من جعل الوجوب شرعيا فعنده
يجوز أن لا تكون شريعة موسى
____________________
(قوله والجواب أن العلم لا يقبل التفاوت) هذا مخالف لما سيصرح به في بحث الإيمان فهو قول الجمهور وليس بمختار المصنف (قوله وجبرائيل أوليس برب) لأن الرب المقيد وإن أطلق على غير الله تعالى بمعنى المربي كقوله تعالى ارجعي إلى ربك لكن إضافته إلى نفسه مما لا يليق بشأن إبراهيم عليه السلام