شرح المواقف - القاضى الجرجانى - ج ٨ - الصفحة ١٣١
والنظر في الآية موصول بإلى فوجب حمله على الرؤية) فتكون واقعة في ذلك اليوم وهو المطلوب (واعترض عليه بوجوه * لأول لا نسلم أن) لفظ (إلى صلة) للنظر (بل) هو (واحد الآلاء) ومفعول به للنظر بمعنى الانتظار (فمعنى الآية نعمة ربها منتظرة ومنه قول لشاعر أبيض لا يرهب النزال ولا * يقطع رحما ولا يخون إلى أي نعمة ويقرب منه ما قد قيل إن إلى بمعنى عند كما في قوله فهل لكم فيما إلي فإنني * طبيب بما أعيى النطاسى حذيما أي فيما عندي ومعنى الآية حينئذ عند ربها منتظرة نعمته (والجواب أن انتظار النعمة غم ومن ثمة قيل الانتظار الموت الأحمر فلا يصح الإخبار به بشارة) مع أن الآية وردت مبشرة للمؤمنين بالإنعام والإكرام وحسن الحال وفراغ البال وذلك في رؤيته تعالى فإنها أجل النعم والكرامات المستتبعة لنضارة الوجه لا في الانتظار المؤدى إلى عبوسه * (الثاني أن النظر الموصول بإلى قد جاء للانتظار قال الشاعر
____________________
درجات الحب متفاوتة والعشق درجة منها (قوله فوجب حمله على الرؤية الخ) فإن قلت تقديم المفعول يفيد الحصر كما في قوله تعالى ألا إلى الله تصير الأمور ونظائره فلو حمل على الرؤية لدل على أنهم لا يرون غير الله تعالى مع أنهم يرون الجنة والنار ومواقف القيامة فوجب حمله على الأنظار ولا محذور حينئذ لأنهم لا ينظرون سوى رحمة ربهم قلت التقديم ههنا للاهتمام ورعاية الفاصلة والحصر ادعاء يعني أن المؤمنين لاستغراقهم في مشاهدة جماله وقصر النظر على عظم جلاله كأنهم لا يلتفتون إلى ما سوى الله ولا يرون إلا الله تعالى (قوله أبيض لا يرهب النزال) أي سيف لا يخاف الحرب واعلم أن البيت المذكور منسوب إلى الأعشى وقد طعن فيه الإمام الرازي بأن فيه خطأ من جهة اللغة إذ لا يقال خان النعمة بل يقال كفرها (قوله بما أعيى النطاسى حذيما) أي أن لي مرضا عجز النطاسى والنطاسى يروى بفتح النون وهو في الأصل كل من أدق النظر في الأمور واستقصى علمها ومنه قيل للمتطبب ثطيس مثل فسيق ونطاسى وابن حذيم رجل مشهور في الطب عندهم ولذا حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه (قوله والجواب أن انتظار النعمة غم) اعترض عليه بأن حصول الغم عند الانتظار من فعل الله تعالى فيجوز أن لا يفعل في الآخرة لأنها دار خوارق العادات على أن الانتظار إنما يفيد الغم إذا لم يكن الوصول إلى المنتظر مقطوعا ورد بأن الآية مذكورة في معرض البشارة وذلك يستدعي كون المذكور من جنس ما لا يقارنه بالغم في العادة حتى يشتد الرغبة عنده ألا يرى أنه تعالى لم يرغب عباده إلا بأشياء التي اعتقدوا كونها لذيذة ولم يرغبهم الدخول في النيران وإن كان يجوز عقلا أن يجعلها عليهم بردا وسلاما والانتظار لا يخلو في العادة عن نوع غم لمداخلة الوهم وإن كان الواعد صدوقا فلا يناسب البشارة (قوله الموت الأحمر) يروى بالتوصيف وبالإضافة فالأحمر على الثاني بالزاي المعجمة قيل هو حيوان بحري يشق موته والظاهر أنه على الأول بها أيضا من الحمازة وهو
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست