كل ما لا ينبغي له أن يوصف به.
وقال الزجاج: سبحان في اللغة تنزيه الله عز وجل عن السوء، " معرفة ". قال شيخنا: يريد أنه علم على البر، ونحوه من أعلام الأجناس الموضوعة للمعاني. وما ذكره من أنه علم هو الذي اختاره الجماهير، وأقره البيضاوي والزمخشري والدماميني وغير واحد.
وقال الزجاج في قوله تعالى: " سبحان الذي أسرى " (1) " نصب (2) على المصدر "، أي على المفعولية المطلقة، ونصبه بفعل مضمر متروك إظهاره، تقديره: أسبح الله سبحانه تسبيحا. قال سيبويه: زعم أبو الخطاب أن سبحان الله كقولك: براءة الله، " أي أبرئ الله " تعالى " من السوء براءة ". وقيل: قوله: سبحانك، أي أنزهك يا رب من كل سوء وأبرئك. انتهى. قال شيخنا: ثم نزل سبحان منزلة الفعل، وسد مسده، ودل على التنزيه البليغ من جميع القبائح التي يضيفها إليه المشركون، تعالى الله عما يقوله الظالمون علوا كبيرا. انتهى. وروى الأزهري بإسناده أن ابن الكواء سأل عليا رضي الله عنه عن سبحان، فقال: كلمة رضيها الله تعالى لنفسه، فأوصى بها (3) " أو معناه " على ما قال ابن شميل: رأيت في المنام كأن إنسانا فسر لي سبحان الله، فقال: أما ترى الفرس يسبح في سرعته؟ وقال: سبحان الله: " السرعة إليه والخفة في طاعته (4). وقال الراغب في المفردات: أصله في المر السريع، فاستعير للسرعة في العمل، ثم جعل للعبادات قولا وفعلا (5). وقال شيخنا نقلا عن بعضهم: سبحان الله: إما إخبار قصد به إظهار العبودية واعتقاد التقدس والتقديس، أو إنشاء نسبة القدس إليه تعالى. فالفعل للنسبة، أو لسلب النقائص، أو أقيم المصدر مقام الفعل للدلالة على أنه المطلوب، أو للتحاشي عن التجدد وإظهار الدوام. ولذا قيل: إنه للتنزيه البليغ مع قطع النظر عن التأكيد. وفي العجائب للكرماني: من الغريب ما ذكره المفضل: أن سبحان: مصدر سبح، إذا رفع صوته بالدعاء والذكر وأنشد:
قبح الإله وجوه تغلب كلما * سبح الحجيج وكبروا إهلالا قال شيخنا: قلت: قد أورده الجلال في الإتقان عقب قوله: وهو، أي سبحان، مما أميت فعله.
وذكر كلام الكرماني متعجبا من إثبات المفضل لبناء الفعل منه. وهو مشهور أورده أرباب الأفعال وغيرهم، وقالوا: هو من سبح، مخففا، كشكر شكرانا. وجوز جماعة أن يكون فعله سبح مشددا، إلا أنهم صرحوا بأنه بعيد عن القياس، لأنه لا نظير له، بخلاف الأول فإنه كثير وإن كان غير مقيس. وأشاروا إلى اشتقاقه من السبح: العوم أو السرعة أو البعد أو غير ذلك.
ومن المجاز: العرب تقول: " سبحان من كذا، تعجب منه ". وفي الصحاح بخط الجوهري: إذا تعجب منه. وفي نسخة: إذا تعجبت منه (6). قال الأعشى:
أقول لما جاءني فخره * سبحان من علقمة الفاخر (7) يقول: العجب منه إذ يفخر. وإنما التأنيث. وقال ابن بري: إنما امتنع صرفه للتعريف وزيادة الألف والنون، وتعريفه كونه اسما علما للبراءة، كما أن نزال اسم علم للنزول، وشتان اسم علم للتفرق. قال: وقد جاء في الشعر سبحان منونة نكرة، قال أمية:
سبحانه ثم سبحانا يعود له * وقبلنا سبح الجودي والجمد وقال ابن جني: سبحان: اسم علم لمعنى البراءة والتنزيه، بمنزلة عثمان وحمران، اجتمع في سبحان التعريف والألف والنون، وكلاهما علة تمنع من الصرف. قلت: ومثله في شرح شواهد الكتاب للأعلم. ومال جماعة