ومن المجاز: نصحت توبته نصوحا، التوبة النصوح هي الصادقة. قال أبو زيد: نصحته أي صدقته. وقال الجوهري: هو مأخوذ من نصحت الثوب، إذا خطته، اعتبارا بقوله صلى الله عليه وسلم: " من اغتاب خرق، ومن استغفر الله رفأ ". أو التوبة النصوح: الخالصة وهي أن لا يرجع العبد إلى ما تاب عنه. وفي حديث أبي: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التوبة النصوح فقال: " هي الخالصة التي لا يعاود بعدها الذنب ". وفعول من أبنية المبالغة، يقع على الذكر والأنثى، فكأن الإنسان بالغ في نصح نفسه بها. وقال أبو إسحاق: توبة نصوح: بالغة في النصح، أو هي أن لا ينوي الرجوع ولا يحدث نفسه إذا تاب من ذلك الذنب العود إليه أبدا. قال الفراء: قرأ أهل المدينة " نصوحا " بفتح النون. فالذين قرءوا بالفتح جعلوه من صفة التوبة، والذين قرأوا بالضم أرادوا المصدر مثل القعود. وقال المفضل: بات عزوبا وعزوبا (2)، وعروسا وعروسا.
وسموا ناصحا ونصيحا ونصاحا.
* ومما يستدرك عليه:
انتصح: ضد اغتش. ومنه قول الشاعر:
ألا رب من تغتشه لك ناصح * ومنتصح باد عليك غوائله (3) تغتشه: تعتده غاشا لك. وتنتصحه: تعتده ناصحا لك. واستنصحه: عده نصيحا.
والتنصح: كثرة النصح. ومنه قول أكثم بن صيفي: " إياكم وكثرة التنصح فإنه يورث التهمة ". وناصحه مناصحة.
ومن المجاز غيوث نواصح: مترادفة كما في الأساس.
[نضح]: نضح البيت ينضحه، بالكسر نضحا: رشه، وقيل رشه رشا خفيفا. قال الأصمعي: نضحت عليه الماء نضحا، وأصابه نضح من كذا. وقال ابن الأعرابي: النضح ما كان على اعتماد، وهو ما نضحته بيدك معتمدا. والناقة تنضح ببولها، والنضخ ما كان على غير اعتماد، وقيل: هما لغتان بمعنى واحد وكله رش. وحكى الأزهري عن الليث: النضح كالنضخ ربما، اتفقا وربما اختلفا، وسيأتي.
ومن المجاز: نضح الماء عطشه ينضحه: بله وسكنه، أو رشه فذهب به، أو كاد أن يذهب به، و نضح الري نضحا: روي أو شرب دون الري، ضد. وفي التهذيب: نضح الماء المال ينضحه: ذهب بعطشه أو قارب ذلك. قال شيخنا: قضية كلام المصنف كالجوهري أن نضح ينضح رش كضرب، والأمر منه كاضرب، وفيه لغة أخرى مشهورة كمنع، والأمر انضح، كامنع، حكاه أرباب الأفعال والشهاب الفيومي في المصباح، وغير واحد. ووقع في الحديث انضح فرجك فضبطه النووي وغيره بكسر الضاد المعجمة كاضرب، وقال: كذلك قيده عن جمع من الشيوخ. واتفق في بعض المجالس الحديثية أن أبا حيان رحمه الله أملى هذا الحديث فقرأ نضح بالفتح، فرد عليه السراج الدمنهوري بقول النووي، فقال أبو حيان: حق النووي أن يستفيد هذا منى، وما قلته هو القياس. وحكى عن صاحب الجامع أن الكسر لغة، وأن الفتح أفصح، ونقله الزركشي وسلمه. واعتمد بعضهم كلام الجوهري وأيد به كلام أبي حيان. وهو غير صحيح، لما سمعت من نقله عن جماعة غيرهم. واقتصار المصنف تبعا للجوهري قصور، والحافظ مقدم على غيره، والله أعلم، انتهى.
ونضح النخل والزرع وغيرهما: سقاها بالسنية. وفي الحديث ما سقي من الزرع نضحا ففيه نصف العشر يريد ما سقي بالدلاء والغروب والسواني ولم يسق ويقال: فلان يسقي بالنضح، وهو مصدر. ومن المجاز نضح فلانا بالنبل نضحا: رماه ورشقه. ونضحناهم نضحا فرقناه فيهم كما يفرق الماء بالرش. وفي الحديث أنه قال للرماة يوم أحد انضحوا عنا الخيل لا نؤتي من خلفنا، أي ارموهم بالنشاب.