الثالثة عشرة: قولهم " إن أحدا لا يقول ذلك " فأوقع أحدا في الاثبات لأنه نفس الضمير المستتر في يقول، والضمير في سياق النفي فكان أحد كذلك، وقال في ليلة لا ترى بها أحدا * يحكى علينا إلا كواكبها [224] فرفع كواكبها بدلا من ضمير يحكى، لأنه راجع إلى " أحدا "، وهو واقع في سياق غير الايجاب، فكان الضمير كذلك.
وهذا الباب واسع، ولقد حكى أبو عمرو بن العلاء أنه سمع شخصا من أهل اليمن يقول: فلان لغوب أتته كتابي فاحتقرها، فقال له: كيف قلت أتته كتابي؟
فقال: أليس الكتاب في معنى الصحيفة؟.
وقال أبو عبيدة لرؤبة بن العجاج لما أنشد:
910 - فيها خطوط من سواد وبلق * كأنه في الجلد توليع البهق إن أردت الخطوط فقل: كأنها، أو السواد والبلق فقل: كأنهما، فقال: أردت ذلك ويلك.
وقالوا " مررت برجل أبى عشرة نفسه، وبقوم عرب كلهم، وبقاع عرفج كله " برفع التوكيد فيهن، فرفعوا الفاعل بالأسماء الجامدة، وأكدوه لما لحظوا فيها المعنى، إذ كان العرب بمعنى الفصحاء، والعرفج بمعنى الخشن، والأب بمعنى الولد.
تنبيهان - الأول: أنه وقع في كلامهم أبلغ مما ذكرنا من تنزيلهم لفظا موجودا منزلة لفظ آخر لكونه بمعناه، وهو تنزيلهم اللفظ [المعدوم] الصالح للوجود بمنزلة الموجود كما في قوله:
بدا لي أنى لست مدرك ما مضى * ولا سابق شيئا إذا كان جائيا [135] وقد مضى ذلك.