لئلا يتوارد عاملان على معمول واحد، والصلاة المذكورة بمعنى الاستغفار، والمحذوفة بمعنى الرحمة، وقال الفراء في قوله تعالى (أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين) إن التقدير: بلى ليحسبنا قادرين، والحسبان المذكور بمعنى الظن، والمحذوف بمعنى العلم، إذ التردد في الادعاء كفر، فلا يكون مأمورا به، وقال بعض العلماء في بيت الكتاب:
842 - لن تراها - ولو تأملت - إلا * ولها في مفارق الرأس طيبا إن ترى المقدرة الناصبة لطيبا قلبية لا بصرية، لئلا يقتضى كون الموصوفة مكشوفة الرأس، وإنما تمدح النساء بالخفر والتصون، لا بالتبذل، مع أن رأى المذكورة بصرية؟؟.
قلت: الصواب عندي أن الصلاة لغة بمعنى واحد، وهو العطف، ثم العطف بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى الرحمة وإلى الملائكة الاستغفار وإلى الآدميين دعاء بعضهم لبعض، وأما قول الجماعة فبعيد من جهات، إحداها: اقتضاؤه الاشتراك والأصل عدمه لما فيه من الإلباس، حتى إن قوما نفوه، ثم المثبتون له يقولون:
متى عارضه غيره مما يخالف الأصل كالمجاز قدم عليه، الثانية: أنا لا نعرف في العربية فعلا واحدا يختلف معناه باختلاف المسند إليه إذا كان الاسناد حقيقيا، والثالثة:
أن الرحمة فعلها متعد والصلاة فعلها قاصر، ولا يحسن تفسير القاصر بالمتعدي، والرابعة: أنه لو قيل مكان " صلى عليه " دعا عليه انعكس المعنى، وحق المترادفين صحة حلول كل منهما محل الآخر.
وأما آية القيامة فالصواب فيها قول سيبويه إن (قادرين) حال، أي بلى نجمعها قادرين، لان فعل الجمع أقرب من فعل الحسبان، ولان بلى إيجاب للمنفي وهو في الآية فعل الجمع، ولو سلم قول الفراء فلا يسلم أن الحسبان في الآية ظن، بل اعتقاد وجزم، وذلك لافراط كفرهم.