وإن لم يكن بذلك الوضوح، فإنه يمكن أن يقال: إن العقد الواقع بين البائع والمشتري كان متعلق حق البائع فيما لو كان الخيار له، فزمامه بيده فله حله ونقضه، وله إقراره، وإحكامه. وهذا الحق الذي كان للبائع بالمعنى المذكور، أعني السلطنة على فسخ العقد وإقراره يمكن نقله وتحويله إلى المشتري بالمصالحة عليه بعوض أو بدونه، وعمومات الصلح تشمله، فيكون المشتري ذا الخيار بعد الصلح، وتسليم زمام الحق إليه.
هذا ولكن لقائل أن يقول: إنا ذكرنا فيما سبق أن إنشاء البيع الذي حقيقته تبديل طرف إضافة مالك المثمن بطرف إضافة مالك الثمن إذا كان بالعقد المشتمل على الايجاب والقبول فإنه كما يدل بالمطابقة على تبديل كل من المتعاقدين المثمن بالثمن في عالم الاعتبار والانشاء، كذلك يدل بالدلالة الالتزامية على التزام كل منهما لصاحبه بالثبات والبقاء على هذا التبديل وبمقتضى إمضاء الشارع وحكمه بلزوم ما التزمه كل منهما لطرفه بانشائه بقوله تبارك وتعالى (أوفوا بالعقود) يملك كل منهما على صاحبه - مضافا إلى المال الذي ملكه إياه - ثباته والتزامه بعدم التعدي عن حدود التبديل المنشأ بالعقد. ومن هنا سمي اللزوم المذكور (لزوما حقيا) فإن كلا منهما له على طرفه حق الالتزام بما تعهده له من الثبات والبقاء على ما أنشأه من التبديل.
هذا إذا لم يكن لأحد المتعاقدين خيار مجعول من الشارع المقدس أو من المتعاقدين بالشرط في ضمن العقد.
وأما لو كان لأحدهما خيار مجعول من الشارع أو من المتعاقدين فمن له الخيار منهما كما يملك ما التزم به صاحبه له، كذلك يملك ما التزمه هو لصاحبه، فمن حيث ملكيته لما التزمه صاحبه له يكون العقد بالنسبة إلى صاحبه لازما لا ينفسخ بفسخه، ومن حيث ملكيته لما التزمه لصاحبه يكون