وشككك في بعض ما أنبأتك، حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم، فقلت: متى أيقنت أنهم كذا فهم أرباب، معاذ الله، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون لله، داخرون راغبون، فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به.
فقلت له: جعلت فداك، فرجت عني، وكشفت ما لبس الملعون علي بشرحك، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب.
قال: فسجد أبو الحسن وهو يقول في سجوده: راغما لك يا خالقي، داخرا خاضعا. قال: فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي، ثم قال: يا فتح، كدت أن تهلك وتهلك، وما ضر عيسى إذا هلك من هلك، فاذهب إذا شئت رحمك الله.
قال: فخرجت وأنا فرح بما كشف الله عني من اللبس، بأنهم هم، وحمدت الله على ما قدرت عليه، فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهو متكئ وبين يديه حنطة مقلوة يعبث بها، وقد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ويشربوا، إذ كان ذلك آفة، والإمام غير مأوف.
فقال: اجلس يا فتح، فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق، وكل جسم مغذو بهذا إلا الخالق الرازق، لأنه جسم الأجسام، وهو لم يجسم ولم يجزأ بتناه، ولم يتزايد ولم يتناقص، مبرء من ذاته، ما ركب في ذات من جسمه، الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، منشئ الأشياء، مجسم الأجسام، وهو السميع العليم، اللطيف الخبير، الرؤوف الرحيم، تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
لو كان كما وصف لم يعرف الرب من المربوب، ولا الخالق من المخلوق، ولا المنشئ من المنشأ، ولكنه فرق بينه وبين من جسمه، وشيأ الأشياء، إذ كان لا يشبهه شيء يرى، ولا يشبه شيئا.