أعلمه أنه مخرجه إليها، وإن أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن إنفاقه فيه، جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود.
وقد حد المولى في ذلك حدا معروفا وهو المسكن الذي أسكنه في الدار الأولى، فإذا بلغ الحد استبدل المولى بالمال وبالعبد، على أنه لم يزل مالكا للمال والعبد في الأوقات كلها، إلا أنه وعد أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الأولى إلى أن يستتم سكناه فيها، فوفى له، لأن من صفات المولى العدل والوفاء والنصفة والحكمة، أو ليس يجب إن كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأمور به أن يفي له بما وعده من الثواب؟ وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية وأثابه على طاعته فيها نعيما دائما في دار باقية دائمة.
وإن صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الأولى في الوجه المنهي عنه، وخالف أمر مولاه، كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره إياها، غير ظالم له لما تقدم إليه وأعلمه وعرفه وأوجب له الوفاء بوعده ووعيده، بذلك يوصف القادر القاهر.
وأما المولى فهو الله جل وعز، وأما العبد فهو ابن آدم المخلوق، والمال قدرة الله الواسعة، ومحنته (1) إظهار [ه] الحكمة والقدرة، والدار الفانية هي الدنيا، وبعض المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم، والأمور التي أمر الله بصرف المال إليها هو الاستطاعة لاتباع الأنبياء، والإقرار بما أوردوه عن الله جل وعز، واجتناب الأسباب التي نهى عنها هي طرق إبليس.
وأما وعده فالنعيم الدائم وهي الجنة، وأما الدار الفانية فهي الدنيا، وأما الدار