في الكشف عن واقع الأئمة (عليهم السلام):
أما ما قيل من أن المأمون أراد من ولاية العهد للإمام الرضا (عليه السلام) أن يكشف عن واقع الأئمة (عليهم السلام) للناس الذين كانوا يجلونهم ويقدسونهم، لزهدهم في الدنيا، ولتنديدهم بالحكام، فأراد أن يدخله في الحكم ليكشف للناس أنه لم يزهد في الدنيا، وأنه قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة ورغبة في الدنيا (1).
وهذا الأمر بعيد عن المأمون، لأنه كان عارفا بواقع الأئمة (عليهم السلام) وحقيقتهم، وأن ذلك لم ولن يؤثر على مكانتهم في نفوس الناس، ذلك لأن تولي السلطة لا يتنافى مع الزهد في الدنيا، سيما إذا كان الهدف من الحكم إقامة العدل، وإحقاق الحق، وإنصاف المظلوم، وبناء مجتمع سليم عادل وفقا لما جاءت به الرسالة المحمدية السمحاء.
ولو كانت ثمة منافاة بين الزهد وتولي مهام الحكم، لكان ذلك قادحا في زهد أمير المؤمنين (عليه السلام) والخلفاء الذين عرفوا بهذه الصفة، وقد تولى أمير المؤمنين (عليه السلام) مهام الحكم وكانت خيرات الدنيا كلها تجبى إليه إلا الشام، ومع ذلك لم يشبع من خبز الشعير، ولم يكن أحد أزهد منه في زمانه ولا بعده.
كما لم يكن امتناع الإمام الرضا (عليه السلام) عن قبول الخلافة زهدا فيها، وابتعادا عن مسؤوليتها، كيف ذلك وهو الذي يرى نفسه الأحق بهذا المنصب من سواه، وأنه الأقدر على إدارته بالحق وسياسة العدل من غيره، وأنه الأولى بسياسة