فالقول بخلق القرآن كان من تأثير المعتزلة المقربين إلى المأمون، وليس بسبب تشيعه لأهل البيت (عليهم السلام)، كما استدل به بعض المؤرخين.
وعندما حقق المأمون بعض أهدافه السياسية البعيدة المدى، عاد إلى مذهب الآباء معتبرا الروافض والمعتزلة والخوارج من أعلام جهنم، فقد روي في (تأريخ بغداد) وأغلب الكتب التي ترجمت للمأمون بالإسناد عن أبي سعيد علي بن الحسن القصري، قال: قال المأمون لحاجبه يوما: انظر من بالباب من أصحاب الكلام؟
فخرج وعاد إليه، فقال: بالباب أبو الهذيل العلاف، وهو معتزلي، وعبد الله بن أباض الأباضي، وهشام بن الكلبي الرافضي.
فقال المأمون: ما بقي من أعلام جهنم أحد إلا وقد حضر (1). وهو ما يدل على أنه كان يتدين بمذهب أسلافه غير متأثر بأحد.
ولو فرضنا حجة ما ينقل من أدلة تشيعه، فإنه لا يصلح أن يكون سببا لمحاولاته الرامية إلى تنازله عن الخلافة للإمام (عليه السلام)، أو جعله وليا للعهد، إذ لم يبلغ تشيعه المزعوم حدا من الزهد في الدنيا ليتنازل عن ملك مترامي الأطراف لأصحابها الشرعيين، وينقلها من البيت العباسي إلى البيت العلوي، وهو الذي ظل طيلة حياته يردد كلمة أبيه: " الملك عقيم، والله لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك "، وانطلق على هذا الأساس لقتل أخيه لأجل الملك.
وقد عرف محمد الأمين شخصية أخيه جيدا حينما سأل أحمد بن سلام - عندما ألقي القبض عليه - أيقتلني المأمون؟ فقال أحمد: إنه لا يقتلك، وإن الرحم ستعطفه عليك. فقال الأمين: هيهات، الملك عقيم، لا رحم له (2).