الفصل الأول في كيفية شهادته ووصيته وغسله وكفنه والصلاة عليه ودفنه (ع) لما فرغ أمير المؤمنين (ع) من قتال الخوارج عاد إلى الكوفة في شهر رمضان، وقام في المسجد وصلى ركعتين، ثم صعد المنبر فخطب خطبة حسناء، ثم التفت إلى ولده الحسن (ع) فقال: يا أبا محمد كم مضى من شهرنا هذا؟ فقال: ثلاثة عشر يا أمير المؤمنين ثم سأل الحسين (ع) فقال: يا أبا عبد الله كم بقي من شهرنا هذا؟ فقال: سبعة عشر يا أمير المؤمنين، فضرب (ع) يده إلى لحيته وهي يومئذ بيضاء فقال: والله ليخضبنها بدمها إذ انبعث أشقاها، ثم قال (عليه السلام):
أريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مرادي وكان عبد الرحمن بن ملجم يسمع فوقع في قلبه من ذاك شئ، فجاء حتى وقف بين يدي أمير المؤمنين (ع) وقال أعيذك بالله يا أمير المؤمنين هذه يميني وهذه شمالي بين يديك فاقطعهما أو فاقتلني، فقال (ع): وكيف أقتلك ولا ذنب لك إلي ولو أعلم انك قاتلي لم أقتلك، ولكن هل كانت لك حاضنة يهودية، فقالت لك يوما من الأيام يا شقيق عاقر ناقة ثمود؟ قال قد كان ذلك، فسكت علي (ع) قال المفيد (ره): ومن الأخبار الواردة بسبب قتله (ع) ما رواه جماعة من أهل السير، منهم: أبو مخنف وإسماعيل بن راشد الرفاعي وأبو عمرو الثقفي وغيرهم: ان نفرا من الخوارج اجتمعوا بمكة فتذاكروا الامراء فعابوهم وعابوا أعمالهم وذكروا أهل النهروان فترحموا عليهم! وقال بعضهم لبعض لو انا شرينا أنفسنا لله فاتينا أئمة الضلال فطلبنا غرتهم فأرحنا منهم العباد والبلاد واخذنا ثار إخواننا الشهداء بالنهروان فتعاهدوا عند انقضاء الحج على ذلك! فقال عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله انا أكفيكم عليا، وقال البرك بن عبد الله التميمي انا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر التيمي انا أكفيكم عمرو بن العاص، وتعاقدوا على ذلك وتواثقوا على الوفاء واتعدوا الشهر رمضان في ليلة تسع عشرة منه، ثم تفرقوا.