قال فلما فتحته فاحت الدار وجميع الكوفة وشوارعها لشدة رائحة ذلك الطيب ثم لفوه بخمسة أثواب كما أمر " ع " ثم وضعوه على السرير وتقدم الحسن والحسين " ع " ورفعا السرير من مؤخره وإذا مقدمه قد ارتفع ولا يرى حامله، وكان حاملاه من مقدمه جبرئيل وميكائيل " ع " فما مر بشئ على وجه الأرض إلا انحنى له ساجدا وخرج السرير.
قال محمد بن الحنفية والله لقد نظرت إلى السرير وانه ليمر بالحيطان والنخل فتنحني له خشوعا، ومضى مستقيما إلى النجف إلى موضع قبره " ع " الآن وضجت الكوفة بالبكاء والنحيب، وخرجن النساء يتبعنه لاطمات حاسرات، فمنعهن الحسن " ع " ونهاهن عن البكاء والعويل وردهن إلى أماكنهن، والحسين " ع " يقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، يا أباه وا انقطاع ظهراه من أجلك تعلمنا البكاء، إلى الله المشتكى، فلما انتبهنا إلى قبره وإذا مقدم السرير قد وضع فوضع الحسن (ع) مؤخره وصلى عليه والجماعة خلفه فكبر سبعا كما أمر به أبوه (ع) ثم زحزحنا سريره وكشفنا التراب فإذا نحن بقبر محفور ولحد مشقوق وساجة منقورة مكتوب عليها (هذا ما ادخره نوح النبي للعبد الطاهر المطهر) فلما أرادوا نزوله سمعوا هاتفا يقول أنزلوه إلى التربة الطاهرة فقد اشتاق الحبيب إلى حبيبه، فدهش الناس عند ذلك وألحد أمير المؤمنين " ع " عند طلوع الفجر.
قال الراوي لما ألحد أمير المؤمنين " ع " وقف صعصعة بن صوحان العبدي على القبر، ثم قال بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين، ثم قال هنيئا لك يا أبا الحسن فقد طاب مولدك وقوى صبرك وعظم جهادك وظفرت برأيك وربحت تجارتك وقد قدمت على خالقك، فتلقاك الله ببشارته وحفتك ملائكته واستقررت في جوار المصطفى فأكرمك الله بجواره ولحقت بدرجة أخيك المصطفى وشربت بكأسه الأوفى، فأسال الله ان يمن علينا باقتفاء أثرك والعمل بسيرتك والموالاة لأوليائك والمعاداة لأعدائك، وان يحشرنا في زمرة أوليائك. فقد نلت ما لم ينله أحد وأدركت ما لم يدركه أحد وجاهدت في سبيل ربك بين أخيك المصطفى حق جهاده وقمت بدين الله حق القيام حتى أقمت.