غاية الشرعيان وهو طلب الشارع على وجه الحتم أو عدمه فهو راجع إلى جعل الغاية موافقة إرادة الله التي هو عين القربة المجعولة غاية بالاتفاق فالقربة مغنية عنه كما أنه مغن عنها ولذا احترز في النهاية عن اتيان الفعل لوجوبه أو ندبه أو وجههما عن الاتيان به للرياء وطلب الثواب وحكى هذا الاحتراز في الروض عن بعض تحقيقات الشهيد قده وان تأمل فيه الحاكي واما ان يراد بهما العقليان الثابتان للأفعال في أنفسها مع قطع النظر عن أمر الشارع كما هو ظاهر اطلاقات المتكلمين مثل قولهم إنه يشترط في التكليف زيادة على حسن الفعل يعنى عدم الجرح ان يكون فيه صفة بان يكون واجبا أو مندوبا إن كان التكليف بفعل يشترط أيضا علم المكلف بصفات الفعل لئلا يأمر باجتناب واجب أو مندوب إلى غير ذلك من موارد استعمال الوجوب والندب وصرح به الشيخ أيضا في مواضع من العدة في اثبات النسخ ما لفظه ان الشئ لا يجب بايجاب موجب وانما يجب بصفة هو عليها يقتضى وجوب ذلك الشئ و انما يدل ايجاب الحكم على أن له صفة الوجوب لا بان يصير واجبا بايجاب لان ايجاب ما ليس له صفة الوجوب يجرى في القبيح مجرى ايجاب الظلم والقبيح ثم اخذ في الاستدلال على كون وجه الوجوب في السمعيات كونها الطافا ومصالح ويظهر منه هذا أيضا في مسألة ان الامر للوجوب وغيرها وكيف كان فلا دليل على اعتبار هذا المعنى في الغاية كيف وأكثر العوام بل بعض الخواص يعتقدون عدم وجوب كون الفعل الواجب واجبا عقليا بل يكفي في التكليف حسنه ولا يتوقف على حسن المكلف به والذي يجب وجوده فيه هو خصوصية مرجحة لوقوعه في خير التكليف الابتلائي بان كان حسن التكليف مشروطا بتعلقه بهذا الفعل وبعبارة أخرى تكون المصلحة في التكليف بهذا الفعل دون غيره والحاصل انه ليس علينا في العبادات الا تصور الفعل بجميع قيوده الداخلة في تعلق الامر به والقصد إلى فعله طاعة لله وهذا مما يحصل على مذهب العدلية والا شاعرة للوجوب العقلي والزايد على ذلك الذي يختص تحققه بمذهب العدلية لا دليل على اعتباره مع أن ظاهر من اعتبر لوجوب والندب في الغاية انه أراد بهما الشرعيين دون العقليين ولذا فسر في جامع المقاصد وشراح الروضة وجهه الوجوب والمندوب بما هو سبب ايجاب الشارع أو ندبه نعم استدلالهم على المطلب بما نسب إلى العدلية وصرح به بعضهم كالمحقق الطوسي من أنه يشترط في استحقاق الثواب على الواجب والمندوب الاتيان به لوجوبه أو ندبه أو وجههما مع أن ظاهرهم إرادة العقليين ربما يوهم إرادة المستدلين أيضا بهما وعلى أي حال فجعل الوجوب الشرعي غاية موافقة إرادة الشارع وجعل الوجوب العقلي كذلك راجعا إلى اعتبار القربة بأحد معانيها لم يدل عليه دليل وما اشتهر عن العدلية يمكن منع دلالته على اشتراط جعل الوجوب غاية وان ادعاه الشهيدان في الذكرى والروض بل مرادهم ملاحظته على جهة التوصيف بان يأتي بالواجب من حيث إنه واجب عقلي ليطابق غرض الشارع حيث إن غرضه حمل العباد على الواجبات في العقل من حيث أنفسها كالعدل ونحوه أو لتقربها فيما هو واجب في نفسه كالواجبات السمعية التي اشتهر انها لطف في الواجبات العقلية فالموضوع في الواجب الشرعي هو الواجب العقلي والموضوع للواجب العقلي هو وجهه المقتضى له فاللطف موضوع للوجوب العقلي فإذا قصد المكلف باتيانه وجه الوجوب فقد قصد الموضوع الحقيقي وإذا قصد الوجوب العقلي قصد ما هو لازم مسا وللموضوع وبالجملة فالمظنون كل الظن إرادة المتكلمين ملاحظة الوجوب والندب العقليين أو وجههما في اتيان ما أمر به ليؤتى به على وجه عنوانه الذي أمر به في الحقيقة فأين هذا من جعل الوجوب الشرعي غاية كالقربة حتى أنه حكى الشهيدان عن بعض الاشكال في عبارة النية وهي افعل كذا لوجوبه قربة إلى الله من حيث اشتمالها على غايتين بلا عاطف فتقضى عنه بوجوه منها ان الوجوب غاية للفعل والقربة غاية للفعل المعنى بالوجوب ومنها التزام تجويز ترك العطف في مثل ذلك كما سمع عن بعضهم ومنها غير ذلك ثم إن المراد من وجه الوجوب والندب كما ذكره جامع المقاصد وشارح الروضة علية شرع الحكم والسبب الباعث عليه وحكى الثاني عن الشهيد في رسالته ان المتكلمين فيه على أربعة أقوال (الأول) انه لا وجه له الا الامر وهو مذهب الا شاعره (الثاني) انه اللطف في الواجبات والمندوبات العقلية (الثالث) انه الشكر قال وهو راجع إلى اللطف لكنه لا في التكليف العقلي مطلقا بل في نوع منه وهو الشكر (الرابع) انه وجود المصلحة في الفعل والمفسدة في الترك ثم حكى عن الشهيد في تلك الرسالة موافقة ما في الغنية من أن الوجه وجوب الوضوء استباحة الصلاة والأولى ان لا يقصد من يريد قصد وجه الا الوجه الواقعي المعلوم عند الله للوجوب والندب إذ ليس على الوجوه المذكورة دليل يطمئن نعم قوله تعالى أقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ربما يدل على تعليل الوجوب باللطف ويؤيده قوله تعالى انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ويمكن التفصيل بين فعل العبادات وترك المحرمات وتوجيه الأول باللطف والثاني بدفع المفسدة وكان هذا أظهر من الكتاب والسنة الواردة في بيان علية شرع الواجبات والمحرمات وقد تلخص مما ذكرنا انه لا يعتبر شئ في الوضوء على وجه الغائية الا القربة التي هي أعلى الغايات وأشرفها لمن يطع الله لتحصيل الفوائد والغايات والا فالانسان الكامل لا يقصد بطاعته القربة من حيث إنه فائدة عايدة إليه بل الباعث له أهلية المطاع للإطاعة فيريد المتقرب إليه لأنه محبوب عنده فلا داعي له على الفعل الا القيام بما يستحقه المطاع من حيث ذاته لامن حيث احسانه إليه ودونه من يقصد بطاعته أداء بعض ما يستحقه الله عليه من الشكر ولا يقصد بها عود فائدة إليه ولو أراد من شكره مزيد النعم أو دوام الموجود خرج عن غاية الشكر ودونه
(٨٥)