الشرب منفردا أو ممزوجا الا عند الضرورة المسوغة لسائر المحظورات وظاهر العبارة كجميع من تأخر عنه اختصاص الحرام بهذه الاستعمالات دون غيرها كسقي الدابة والشجر وبل ا لطين به وعجن الصبغ به كالحناء وغيره من الاصباغ وظاهر الشيخ قده في المبسوط عدم جواز استعماله بحال وهو الظاهر أيضا من جماعة من القدماء كالمفيد والسيدين والحلى في باب الأطعمة والأشربة بل المكاسب حيث حرموا الانتفاع بالمتنجس مطلقا وقد ذكرنا في المكاسب ما يوضح جواز الانتفاع في غير الأكل والشرب والاستصباح تحت الظل على خلاف في الأخير وتخيل بعض من ملاحظة ظواهر كلمات القدماء وظواهر بعض الأخبار ان الأصل في المتنجس حرمة الانتفاع به الا ما خرج بالدليل وقد قوينا في ذلك الباب ان الأصل بالعكس كما يظهر من المحقق و جماعة قال في المعتبر الماء النجس لا يجوز استعماله في رفع حدوث ولا إزالة خبث مطلقا ولا في الأكل والشرب الا عند الضرورة وأطلق الشيخ رحمه الله المنع عن استعماله الا عند الضرورة لنا ان مقتضى الدليل جواز الاستعمال فنترك العمل به فيما ذكرنا بالاتفاق والنقل وبقى الباقي على الأصل انتهى (ولو اشتبه الاناء) النجس ذاتا وبالعرض (بالطاهر) الواحد أو المتعدد المحصور (وجب) مقدمة للعلم بالاجتناب عن النجس الواقعي الواجب بحكم العقل الملزم لدفع العقاب المحتمل مع ارتكاب أحدهما الامتناع عنهما فان الاقدام على مالا يؤمن فيه المفسدة والعقاب في القبح كالاقدام على ما يقطع فيه بذلك على ما حكم به العقل وشهد به جماعة والى ما ذكرنا يرجع استدلال الشيخ في الخلاف على هذا الحكم بأنه متيقن النجاسة في أحدهما ولا يؤمن من الاقدام على استعماله وقرر هذا العلامة في كتبه بان الاجتناب الواجب لا يتم الا باجتنابهما واما استدلال المحقق عليه بان يقين الطهارة معارض بيقين النجاسة فهو مشعر بالتسالم على وجوب الاحتياط في مثل المقام في نفسه الا انه قد يتوهم جريان أصالة الطهارة المتيقنة الحاكمة على الاحتياط كما سيجئ فدفعه قده كما سيجئ بالمعارضة الموجب في مثل المقام لتساقطهما وقد يمنع وجوب الاحتياط في المسألة إما لمنع شمول الخطاب بالاجتناب لغير المعلوم نجاسة تفصيلا واما لمنع وجوب الموافقة القطعية للتكاليف الواقعية وجعل المسلم هي حرمة القطع بالمخالفة واما لحكم المشهور في الظاهر بالطهارة والحل في كل مشكوك النجاسة والحرمة غاية الأمر عدم جواز ارتكاب المشتبهين للزوم العلم بالمخالفة ولا مانع من ارتكاب أحدهما للرخصة المستفادة من أدلة أصالتي الحل والطهارة فهو نظير ما إذا رخص الشارع للمتحير في ترك الصلاة إلى بعض الجهات فيكون ترك المشتبه الأخر في المقام كفعل الصلاة إلى بعض الجهات امتثالا ظاهريا للتكليف بالواقع والكل مدفوع بما بين في الأصول مستقصى وحاصل رفع الأول ظهور الخطابات في وجوب الاجتناب عن النجس الواقعي والالزم ارتفاع النجاسة في الشبهة المحصورة وحاصل دفع الثاني استقلال العقل بوجوب تحصيل اليقين بالموافقة وعدم قناعته باحتمال الموافقة مع فرض ثبوت تكليف يقضى بالاجتناب عن النجس الواقعي وحاصل دفع الثالث عدم جريان أدلة طهارة ما لم يعلم نجاسة وحلية ما لم يعلم حرمته لان جريانه في كلا المشتبهين يوجب المخالفة القطعية وفى أحدهما المعين دون الأخر ترجيح بلا مرجح وفى أحدهما المخير غير مستفاد من تلك الأدلة لان أحدهما المخير فيه غير داخل تحت العام مع أن أحدهما للعين واقعا خارج لكونه معلوم الحرمة فإذا وجب الاجتناب عنه بحكم هذه الأخبار وجب الاجتناب عما يحتمله بحكم العقل فهذه العمومات بضميمة حكم العقل دالة على المطلوب فتأمل هذه كله بملاحظة القاعدة الجارية في كل شبهة محصورة بين المشتبهين والا فالاتفاقات المستفيضة كافية في المسألة بل يكفي فيها النص الامر بإهراقهما (فإن لم يجد غيرهما) يتمم وهما موثقا سماعة وعمار عن رجل معه اناء ان وقع في أحدهما قذر ولا يدرى أيهما هو و لم يقدر على ماء غيرهما قال يهريقهما ويتيمم وعن المعتبر والمنتهى عمل الأصحاب بهما وقبولهم لهما ثم إن في المسألة أمورا يحسب لها الأول انه لا فرق في المشتبهين بين كونهم مسبوقين بالطهارة كما في مورد الرواية أو بالنجاسة أو غير معلوم الحالة السابقة لشمول ما ذكر من القاعدة ومعقد الاتفاقات المنقولة وفحوى الروايتين ويحتمل ضعيفا الفرق بين الصور بالحكم بجواز ارتكاب أحدهما في الأول دون الأخيرتين أو في الأولى والأخيرة دون الثانية (الثاني) لو انصب أحد الإنائين المشتبهين وجب الامتناع من الأخر لبقاء حكم العقل الثابت قبل الانصباب ولا معنى لارتفاعه بتعذر الامتناع عن المنصب فهو مسقط للتكليف بالامتناع وربما يتمسك هنا باستصحاب وجوب الاجتناب فيه ان الحكم بوجوب الاجتناب عقلي من باب المقدمة العلمية وهو باق يقينا نعم لو كان الاشتباه في الإنائين بعد انصباب أحدهما على وجه لا يثبت التكليف بالاجتناب عن المنصب على تقدير العلم التفصيلي بكونه هو النجس كما لو انصب في البالوعة وغيرهما مما لا يؤثر انصبابه فيه شيئا لنجاسة أو لاستهلاكه للمنصب كالماء الكثير المستهلك له أو جففته الشمس بعد الأنصاب حيث صار محله طاهر ألم يجب الاجتناب عن الباقي لعدم العلم بالتكليف الفعلي بالاجتناب عن النجس الواقعي المردد بين المشتبهين لاحتمال كون النجس هو المنصب فأصالة الطهارة في الأخر سليمة ومثل عدم ثبوت التكليف بالاجتناب عن أحد المشتبهين على تقدير العلم التفصيلي بحرمته أو نجاسة عدم تبخر التكليف به عرفا على ذلك التقدير لعدم ابتلاء المكلف به وقبح التكليف به في العرف الا مشروطا بابتلائه به كما لو قطع بوقوع النجاسة إما في الماء الموضوع عنده أو في الثوب الشخص العابر من عنده الذي لا ابتلاء له فعلا بثيابه بحيث لو فرض صدور التكليف منجزا بالاجتناب عن ثيابه كان لغوا عرفا بل لا يحسن التكليف المذكور الا مشروطا بابتلائه بها واتفاق وقوعها في يده فان التكليف
(٤١)