مقتضى اطلاق كل من أوجب الغسل لانقطاع دم المستحاضة للبئر وفى الروض والمقاصد العلية في موجبات الوضوء جعل المتوسطة بالنسبة إلى ما عدا الصبح كالكثيرة بالنسبة إلى العصر والعشاء بل ما ذكرنا مقتضى ما سيجيئ من اتفاقهم على أن المستحاضة لو أخلت بما عليها لم تصح صلاتها فحينئذ لو تركت صلاة الصبح عمدا أو نسيانا وترك الغسل أيضا ثم صلت الظهر بلا غسل مع نسيان فوات الصبح أو عمدا على القول بعدم الترتيب بطل صلاته وعلى هذا فقولهم يجب الغسل لصلاة الغداة خاصة والوضوء للبواقي يريدون به عدم وجوب غسل اخر لما عداها في مقابل الكثيرة لا ان اثر الغسل مختص بها إذا ثبت هذا فنقول لا يبعد ان يقال إن المستفاد من الروايات الواردة في المتوسطة هو كون غسلها لجميع الصلوات وان هذا الدم المتجاوز عن حد القليلة الغير البالغ حد الكثيرة يوجب غسلا واحدا بالنسبة إلى جميع الصلوات الخمس ان استمر بها هذا الدم أو حدث في أوقاتها كما هو صريح روايتي سماعة فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة ويتلوهما في الظهور رواية زرارة المتقدمة حيث إن المراد من قوله (ع) صلت بغسل واحد انها تصلى الخمس بغسل واحد قبالا لذات الدم الكثير حيث إنها تصلى الخمس بثلث أغسال ووجه تقديمه عند صلاة الصبح كونها أول الصلوات فلا يصدق على من استمر بها الدم المتوسط انها صلت الخمس بالغسل الا إذا اغتسلت عند صلاة الفجر وحينئذ فلو تجدد الغمس بعد صلاة الفجر وجب الغسل للظهرين كما أنه لو تجدد بعد صلاة الظهرين وجب الغسل للعشائين فما في النصوص من فعل الخمس بغسل واحد وما في الفتاوى من الغسل لصلاة الغداة محمول على من استمر بها الدم المتوسط في جميع أوقات الصلاة كما أن حكمهم بوجوب ثلثة أغسال على ذات الكثيرة محمول على من استمر بها الكثرة في جميع الصلوات فلا ينافيه وجوب الغسل للعصر فقط أو للعشاء فقط إذا حدثت الكثرة بعد فعل الظهر أو المغرب هذا مضافا إلى اطلاق باقي الاخبار التي استدلوا بها على حكم المتوسطة مثل قوله (ع) في موثقة زرارة فإذا نفذ الدم اغتسلت وصلت وقوله (ع) في رواية الجعفي فإذا ظهر الدم على الكرسف أعادت الغسل وأعادت الكرسف وقوله (ع) في رواية البصري فان ظهر الدم على الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا اخر ثم تصلى فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلى الصلاة ثم تصلى صلوتين بغسل واحد والحاصل ان دلالة الاخبار على ما ذكرنا واضحة جدا ولا ينافيها شئ عدا ما يتراءى؟ من ظهور تخصيص هذا الغسل في الفتاوى ومعاقد الاجماع بكونه لصلاة الغداة وهو الذي دعى بعض مشايخنا المعاصرين إلى المبالغة في تضعيف ما قويناه تبعا لغير واحد من مشايخه كصاحب الرياض وكاشف الغطاء وولده الفقيه في شرح رسالته وممن يظهر منه هذا القول الشيخ علي في حاشية الروضة بل يظهر منه انه مذهب غيره بل مذهب الكل حيث علق على قوله في الروضة انه لو تأخر الغمس عن الصلاة فكالأول انه كالقسم الأول بالنسبة إلى صلاة الصبح ثم قال هذا ولا ينافي وجوب الغسل بالنسبة إلى الظهرين والعشائين فان حكمها مبنى على اعتبار أوقات الصلاة وعدم اعتبارها انتهى وما ذكره في شرح العبارة وإن كان خلاف الظاهر الا ان المقصود من ذكره اظهار موافقته لمن ذكرنا بل حكايته موافقة غيره أيضا فافهم نعم ذكر السيد العلامة في المصابيح ان المعروف في الاستحاضة الوسطى وجوب غسل واحد لصلاة الغداة وظاهر عبائرهم في المقام ان هذا الغسل غايته خصوص صلاة الغداة فلا يتوقف عليه صحة باقي الصلوات وربما احتمل ان يكون ذلك لجميع الخمس فيتوقف عليه صحة الجميع وعلى هذا التقدير فلو رآه في غير وقت الفجر احتمل وجوب الغسل والأصل والعمومات تنفى ذلك وقد صرح بعضهم بنفيه وهو ظاهر الباقين انتهى وأنت خبير بان منافاة هذا التخصيص لما ذكرنا إن كان من جهة ظهوره في اختصاص اثر الغسل بصلاة الغداة وعدم شركة غيرها معها فقد عرفت خلاف ذلك من جماعة بين مصرح بكون دم المتوسطة مطلقا حدثا أكبر بالنسبة إلى جميع الصلوات وبين مقيد له لتعينهم الغسل بما يوجب الغسل لصلاة الفجر أو بما يوجد في جزء من وقتها وإن كان بعد فعلها كما فهمه شارح الروضة من محكى شرح الارشاد ومع ذلك فقد عبر هؤلاء كغيرهم بوجوب الغسل لصلاة الغداة فتعين ان يراد به نفى وجوب غسل اخر بعد صلاة الغداة وإن كان من جهة لصلاة الغداة الظاهر في عدم ثبوته لغيرها مطلقا مثل ما لو تأخر الغمس عن صلاة الفجر فهذا وان لم يصرح به من المعبرين بالعبارة المذكورة الا نفر يسير كصاحب الرياض وجماعة ممن وافقه الا انك قد عرفت ان هذا التعبير منهم من جهة فرضهم الكلام على من استمر بها الدم المتوسط كما أن حكمهم بوجوب أغسال ثلثة على ذات الدم الكثير بالنسبة إلى من استمر بها الدم فلا ينافي انه لو فرض الكثرة بعد الظهرين وجب غسل واحد للعشائين أو بعد الصبح صحت غسلان للظهرين والعشائين وكيف كان فالظاهر عدم تحقق الاجماع على خلاف الوجه الذي قويناه بل ولا الشهرة وان تراءى؟
ذلك من كلامهم فالقول به لا يخلوا عن قوة مع أنه مقتضى أصالة عدم إباحة الصلاة وبقاء تأثير الدم المتوسطة وعدم ارتفاعه الا بالغسل مع الوضوء فافهم هذا كله إذا لم يسل الدم عن القطنة وان سال وجب عليها مع ما ذكر في المتوسطة شيئان آخران غسل للظهر والعصر