أرجو قيام أبي النعمان إذ وهبوا * ومثله بجسيم الأمر يضطلع فإن يفك عبيد الله من كبل * فليس بعدك في إخراجه طمع فاجهد فدى لك والأقوام كلهم * ما بعدها من مساعي الخير متبع فابسط يديك فإن الخير مبتدر * عليائه وجدود القوم تصطرع قد قدمت لك مسعاة ومأثرة * من مالك وكذاك الخير منتجع والأمن والخوف أيام مداولة * بين الرجاء وبين الضيق متسع قال: فلما وردت هذه الأبيات على إبراهيم بن الأشتر كأنه تحرك لذلك، ثم بعث إلى قومه وعشيرته فجمعهم. قال: واجتمعت أيضا وجوه اليمن، وأقبل بهم حتى دخل على مصعب بن الزبير، فلما قضى التسليم قال: أعز الله الأمير! إنه لو وجد أحد على عبيد الله بن الحر كوجدي عليه لما كلمه أبدا من أجل الفعل الذي فعله بي في أيام المختار، وأما في وقته هذا فلا أعلم ذنبا يجب عليه الحبس، ووالله أعز الله الأمير! لقد وجهت إليه وأنت بالبصرة، فقدم عليك في أربعمائة فارس لا يرى منهم إلا الحدق في تعبية حسنة من الآلة والسلاح الكامل، ولقد بلغني أنه تجهز إليك يوم تجهز بنيف على مائتي ألف درهم، ثم قدم معك هذه البلدة فقاتل المختار قتالا عجيبا فعجب منه أهل بلده ولن يروك إلى هذه الغاية، وليس يجب على الأمير أصلحه الله أن يجمع عليه أمرين: ذهاب مال وضيق حبس - والسلام -.
قال: فلما سمع مصعب بن الزبير كلام إبراهيم بن الأشتر ورأى من معه من بني عمه وعشيرته كأنه استحيى ولم يحب أن يردهم بغير قضاء حاجة، فقال. إني قد سمعت كلامك ومقالتك أبا النعمان، وأنا نازل عنده ما تحب. قال: فجزاه ابن الأشتر ومن معه خيرا وأثنوا عليه جميلا، وانصرفوا إلى منازلهم. ثم بعثوا إلى عبيد الله بن الحر أن قد صرنا إلى الأمير - أصلحه الله - وكلمناه في أمرك، فأجابنا إلى كل ما نحب ولكن لا عليك أن تكتب إليه كتابا لطيفا تعتذر إليه فيه مما فرقت به عنده والسلام. قال: فعندها كتب عبيد الله بن الحر إلى مصعب بن الزبير هذه الأبيات:
تذكرت قبل اليوم آية خلة * أضرت بحقي عندكم وهو واجب وما في قناتي من وصوم تعيبها * ولا ذم رحلي فيكم من أصاحب وتعلم إن كاتمته الناس أنني * عليك ولم أظلم بذلك عاتب وما أنا راض بالذي غيره الرضا * فلا تكذبنك ابن الزبير الكواذب