ثم دعا عبد الملك بن مروان بأخيه أبان بن مروان فاستخلفه على الشام، فخرج يريد العراق ومعه ثلاثة وستون ألفا من أهل الشام وأهل مصر فسار حتى صار إلى قرقيسياء.
ذكر زفر بن الحارث الطائي وعبد الملك ابن مروان ونزوله عليه ومحاربته له قال: وكان بقرقيسياء يومئذ رجل يقال له زفر بن الحارث الكلابي، وكان زفر ممن يتوالى آل الزبير ويقول بفضلهم وقد كان قاتل مروان بن الحكم مع الضحاك بن قيس يوم مرج راهط، وهو الذي يقول هذه الأبيات (1):
أريني سلاحي يا أمام فإنني (2) * أرى الحرب لا تزداد (3) إلا تماديا أتاني عن مروان بالغيب أنه * يريد دمي أو قاطع من لسانيا وفي العيش منجاة وفي الأرض مهرب * إذا نحن رفعنا لهن المثانيا أتذهب كلب لم تنلها رماحنا * وتترك قتلى راهط هي ما هيا أيذهب (4) يوم واحد أسأته * بصالح أيامي وحسن بلائيا فلا نوم (5) حتى تنحط الخيل بالقنا * وللقوم عندي وقعة هي ما هيا (6) قال: فلما نزل عبد الملك بن مروان بقرقيسياء أقبل على أصحابه فقال:
والله! إني لأكره أن أخلف هذا الرجل ورائي وأسير إلى غيره وقد علمت أنه ممن يبغضنا ويتوالى آل الزبير. ثم أرسل إليه عبد الملك بن مروان يدعوه إلى طاعته، فأبي عليه زفر بن الحارث وخاف منه خوفا شديدا ولم يخرج إليه. قال: فأمر عبد الملك بن مروان بالمجانيق فركبت ثم نصبت على حصن قرقيسياء، وجعل القوم