قال: وجاء البشير إلى المختار أن القوم قد انهزموا من بين يدي ابن الأشتر، فكبر المختار وكبر أصحابه، وسمع هؤلاء الذين يقاتلونه التكبير ففزعوا لذلك وعلموا أن أصحابهم قد انهزموا، فانكسروا انكسارا شديدا، ثم ولوا مدبرين، فمنهم من اختفى في منزله، ومنهم من خرج هاربا في البرية على وجهه، ومنهم من لحق بمصعب بن الزبير بالبصرة فكان معه، ووضعت الحرب أوزارها. فقال المختار لأصحابه: انظروا كم قتل من الناس! وفتشوا البيوت فأتوني بهؤلاء الذين خرجوا علي ونقضوا بيعتي! قال: فحصر من كان قتل من أصحاب المختار فكانوا مائة وخمسة وثلاثين (1) رجلا، وأحصي من قتل من الخارجيين عليه فكانوا ستمائة وأربعين (2) رجلا، فذلك سبعمائة وخمسة وسبعون رجلا.
ذكر القوم الذين عرضوا على المختار فقتلهم صبرا قال: ثم جعل أصحاب المختار يفتشون الدور ويخرجون القوم إلى المختار مكتفين، فكان المختار كلما قدم إليه رجل يسأل عنه، فإن كان ممن قاتل الحسين بن علي رضي الله عنهما وشهد عليه بذلك أمر به فضربت عنقه صبرا، وإن كان من قتلة الحسين أمر به فقطعت يده، ومنهم من يقطع يده ورجله، ومنهم من يأمر به فيكبل بالحديد ويلقى في السجن.
قال: وإذا برجل أسود قد أتي به حتى وقف بين يديه، قال: فجعل الأسود يرتعد ويقول (3):
أمنن علي اليوم يا خير معد * وخير من صلى وخير من سجد وخير من حل بقوم ووفد * وخير من لبى لجبار صمد قال: فقال له المختار: إني قد سمعت كلامك بالأمس وتحريضك، وأنت