الأزارقة يقال له الحصين بن مالك شاكا في سلاحه، حتى وقف بين الجمعين على فرس له أدهم الكغداف، ورفع صوته وجعل يقول أبياتا مطلعها:
إن عبد العزيز يوم جزور (1) * كان يرجو رجا المهلب فينا إلى آخرها. قال: فالتفت حبيب بن المهلب إلى رجل من أصحابه يقال له سعد بن نجد فقال له: ما ترى يا سعد؟ فقال: إن شئت كفيتك الرجل ولكنه عار عليك، لأنه قد سمى باسمك ولا أظنه يطلب غيرك، فقال حبيب: صدقت، ولا أحب أن يبارزه غيري، ثم حمل عليه حبيب والتقيا بطعنتين، طعنة في لبته طعنة فقتله. فلما قتل الحصين بن مالك جزعت الأزارقة عليه جزعا شديدا، فأنشأ عبيدة بن هلال اليشكري (2) يقول في ذلك:
قل للحصين لقد أصبت سعادة * بما كنت ما مارسته بمصيب وما كان في جمع المحلين فارس * يبارزه في النقع غير حبيب وأي امرئ يأوي الجزور بمعرك * يهاب ولكن كنت غير هيوب فيا رب يوم قد دعاني لمثلها * فلم أك فيما سألني بمجيب قال: ثم تقدم محرز بن هلال أخو عبيدة بن هلال حتى وقف بين الجمعين على فرس له وهو يقول: اللهم! إني أسألك الجنة ومرافقة أهل النهروان، ثم حمل فلم يزل يقاتل مقبلا غير مدبر حتى قتل.
قال: فدخل على الأزارقة من مقتل محرز بن هلال مدخل عظيم و [اغتموا] غما شديدا، وتقدم أخوه عبيدة بن هلال بعد ذلك حتى وقف بين الجمعين على فرس له يرثي أخاه محرزا، وهو يقول أبياتا مطلعها:
عجبت لأحداث الملاء وللدهر * وللحين يأتي المرء من حيث لا يدري إلى آخرها (4) قال: ثم حمل عبيدة بن هلال فقاتل قتالا شديدا، واستماتت