قال: ثم جعل مصعب يتلطف له ويعرض عليه الولاية ويهدي إليه الهدايا.
قال: فلم يزل كذلك حتى رجع إلى الكوفة، فلما دخل وسلم على مصعب لم يرد عليه السلام ثم قال: يا بن الحر! كيف صنعت؟ فقال: صنعت ما قد علمت وكذا يصنع الرجال الذين فيهم خير (1) إذا لم يعطوا الرضا. قال مصعب! فأين أصحابك الذين معك؟ قال: خلفتهم ورائي وجئتك وحدي، فإن كان منك ما أريد وما ضمنته لهم فذاك، وإن أسأت إلي وخالفت ما قرأت عنك في كتابك كان (2) أصحابي من ورائي يفعلون ما آمر. قال: ثم أمر به مصعب فقيد بقيد ثقيل، ودعا بسجان يقال له واصل، فقال له: خذ هذا إليك وضيق عليه في السجن ما استطعت.
قال: فدعا واصل السجان بأعوانه وأمرهم فحملوا عبيد الله بن الحر من بين يدي مصعب حملا حتى انطلقوا به إلى السجن، فلما رآه أهل السجن كبروا وشمتوا. قال: وأقبل السجان فأخذ رداء كان على عاتق عبيد الله بن الحر وقال له:
يا بن الحر! أريد أن تكسوني هذا الرداء فإنه رداء نفيس وقلما رأيت مثله! قال:
فتبسم ابن الحر وقال: والله إن هذا ما أنت له بأهل، ولكن خذه ولا تلبسه، وبعه لغيرك وانتفع بثمنه. قال: فأخذ واصل السجان رداء عبيد الله بن الحر فتردى به، وجعل يخطر فيه ليغيضه ذلك، فأنشأ عبيد الله بن الحر يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
فلم أر يوما مثل يوم شهدته * أبت شمسه مع غيمه أن تغيبا إلى آخرها. قال: فأقام ابن الحر في السجن شهرا كاملا، ثم كتب بعد ذلك إلى مصعب بكتاب بتهدده فيه بقومه وعشيرته ويخوفه من نفسه إن هو انفلت من السجن أن تجتمع إليه الجموع فيناويه في عزه وسلطانه، ثم [كتب] في كتابه أبياتا مطلعها:
لنعم ابن أخت المرء يسجن مصعب * لطارق ليل خائف أو لنائل إلى آخرها.
قال: فلما نظر مصعب بن الزبير في كتاب ابن الحر وشعره غضب لذلك وزبد وتمعر، ثم أرسل إلى وجوه أهل الكوفة فدعاهم، ثم قال: هذا ابن عمكم