ألا هل أتى الفتيان بالمصر إنني * أسرت بعين التمر أروع ماجدا إلى آخرها.
قال: وبلغ مصعب بن الزبير ما فعله عبيد الله بن الحر بعين التمر، فأرسل إلى وجوه العرب فدعاهم ثم قال: يا أهل الكوفة! إنكم قد علمتم ما لقيت من هذا الرجل، وقد عزمت على أن آخذ كل قرابة له بالكوفة من ذكر وأنثى فأضعه في الحبس، فلعله إذا بلغه ذلك يرجع عما هو عليه من فعاله التي هو يفعلها. قال فقال له بعضهم: أيها الأمير! إن الله عزو جل يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) فإن كان عبيد الله بن الحر فعل ما فعل، فما ذنب القرابات وما ذنب النساء أن يحبسن بلا جرم كان منهن؟ قال: ثم تكلم إبراهيم بن الأشتر فقال: أصلح الله الأمير! إنه وإن كان عبيد الله بن الحر قد فعل هذا الفعل فقد فعل كذلك بالمختار، وذلك أن المختار عمد إلى امرأته أم توبة الجعفية فحبسها في السجن، فلعله قد بلغك ما كان منه أنه كبس الكوفة صباحا في أصحابه وكسر باب السجن وأخرج امرأته قسرا، ثم لم يرض بذلك حتى أخرج كل من كان في السجن من النساء وهو في ذلك يقاتل أصحاب المختار، حتى تخلص سالما هو وأصحابه. فقال ابن الزبير: قاتله الله من رجل فما أشجع قلبه، والله! ما رأيت ولا سمعت برجل في دهرنا هذا اجتمع فيه ما في ابن الحر، من كرم نفس وشجاعة قلب وصباحة وجه وعفة فرج، غير أنه لا يحتمل على هذه الأفاعيل التي يفعلها.
قال: وعزم مصعب على أن يوجه إليه بجيش كثير من الكوفة، وعلمت بذلك بنو عمه فكتبوا إليه، فلما نظر في كتب بني عمه تبسم لذلك وأنشأ يقول (1):
يخوفني (2) بالقتل قومي وإنما * أموت إذا حان (3) الكتاب المؤجل لعل القنا تدني بأطرافها الغنى * فنحيا (4) كراما أو نكر فنقتل (5) ألم تر أن الفقر يزري بأهله * وأن الغنى فيه العلي والتجمل