قال: وجعل أصحاب مصعب ينادون المختار من خارج القصر ويقولون: يا ابن دومة! كيف ترى ما أنت فيه من الحصار، هذا جزاء من خالف على أمير المؤمنين عبد الله (1) بن الزبير وطلب الأمر لغيره! قال: فأشرف عليهم المختار من أعالي القصر ثم قال: يا جند المرأة! يا أعوان البهيمة! يا بقايا السيف! أتعيرونني بأمي دومة، حسناء الحومة، التي لا تسمع فيها اللائم لومة، أما والله لو كان من يعيرني بدومة من الفريقين عظيما لما عيرني بها، ولكن إن كنتم رجالا فاثبتوا لي قليلا، فو الله لأقاتلنكم قتال مستقل قد أئس من الحياة.
قال: ثم نزل المختار عن حائط القصر، فصب عليه سلاحه واستوى على فرسه، وجعل يتمثل بقول قيس غيلان بن سلمة بن معتب (2) الثقفي وهو يقول:
ولو يراني (3) أبو غيلان إذ حسرت * عني الهموم بأمر ما له طبق لقال (4) رعبا ورهبا يجمعان معا * غنم الحياة وهول النفس والشفق والموت أحمد شيء بالكريم إذا * ما قاله الدهر والآجال تخترق (5) قال: ثم أمر بباب القصر ففتح، وخرج في نحو من مائتي رجل ممن يثق بهم، فكر على أصحاب مصعب فهزمهم حتى ركب بعضهم بعضا. قال: ونظر إليه رجل من أصحاب البصرة يقال له يحيى بن ضمضم (6) الضبي، وكان إذا كرب خطت رجلاه في الأرض لطوله، ولم يكن في أصحاب مصعب بن الزبير أفرس منه، فحمل على المختار ليضربه وضربه، فاستقبله المختار بضربة على جبينه أطار قحف رأسه فخر صريعا، وحملت الكتائب على المختار من كل جانب، فجعل يحاربهم ويرجع إلى ورائه حتى دخل القصر، واشتد الحصار على القوم، فجعل السائب بن مالك الأشعري يتمثل بقول عبيد الله بن حذاق حيث يقول أبياتا مطلعها: